القرآن الكريم وفن الدبلوماسية

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية "7"

بقلم : سعدون بن حسين الحمداني

بروتوكول وإتيكيت استقبال وإكرام الضيف

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام استقبال الضيوف، سواء على المستوى الشخصي أم العائلي أم على مستوى الوفود وكبار الشخصيات، وكيف يتبارون في وضع المراسم والخطوات التي تبدي أعلى مراحل الاستقبال سواء الشعبي منها أم لكبار الشخصيات وكذلك طبيعة ومستوى إكرام الضيف وكل حسب مستواه وطبيعة العلاقة معهم، ويبدأ إتيكيت الاستقبال وإكرام الضيف من قبل الاستقبال أو الوصول، وذلك بإرسال جدول الزيارة بالتفصيل حتى في بعض المدارس الأوروبية يُسأل الضيف عن ماذا يحب، سواء في الأكل أم الزيارات؛ رغبة منهم في إكرام الضيف والوصول إلى خدمة السبعة نجوم بالضيافة وليس فقط الأكل حيث ترى الابتسامة وحلاوة الروح والبشاشة ورحابة الصدر التي تميزت بها المدارس الدبلوماسية ويتفاخرون بأنهم هم من الأوائل في هذا المجال.

 

إنّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن بروتوكول وإتيكيت استقبال وإكرام الضيف استخدمه القرآن الكريم في كثيرٍ من المواضع ونحن أهل هذا الكرم وأساس إتيكيت استقبال وإكرام الضيف، وكان رسولنا الكريم- صلّى الله عليه وسلم- يحث على هذا النسق الراقي في الحياة.

 

وأول هذه القواعد وكما عرفنا عند المدارس الدبلوماسية أن يكون الضيف دائما في الجهة اليمنى سواء في المسير أم الجلوس، بينما هذه القاعدة عندنا منذ آلاف السنين، قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وفي حديث آخر وقصة واقعية يعطينا الرسول الكريم درسًا تعتمده المدارس الغربية في إتيكيت الجهة اليمنى وضيافة الشخص قال أنس بن مالك: “شَرِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وصديقهما وجاهه عَنْ يَسَارِهِ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا فَرَغ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شُرْبِهِ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ، يُرِيهِ إِيَّاهُ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ، وَتَرَكَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَر، لكون الضيف كان يقف على الجهة اليمنى وإكراما له ويعطينا أفضلية جهة اليمين للضيف سواء الوقوف أو السير.

 

وإكرام الضيف من سمات الأخلاق الإسلامية العالية التي أكد عليها القرآن الكريم في عدة مواضع، وورد في كثير من الآيات الكريمة، حيث قال تعالى: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم الْمُكْرَمِينَ “24 الذاريات” وجاء بصفة التكريم للضيف والاعتناء به بأعلى درجات الإتيكيت من احترام وتقدير، وقال تعالى: “فَرَاغ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ” (26 الذاريات ) وهو من واجبات إكرام الضيف وتهيئة كل ما يليق به، من مأكل ومشرب ومكان وكل ما هو يفرح ويسعد الضيف، وحتى إن المضيف قبل أن يبدأ بالطعام يدعو جميع الحضور بالبدء بالأكل كجزء من حسن الأخلاق بعد أن أذنوا له بالأكل قال تعالى: “فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُون” (27 الذاريات) حيث كانت المدرسة الإسلامية ورسولنا الكريم يطبقان هذه القاعدة قبل آلاف السنين والآن نراها تدرس في المدارس الدبلوماسية على مختلف أنواعها، يجب أن يبدأ به الضيف أولاً والبقية على شرف الحضور.. وهو درس إلهي للجميع من الآية وتوجيه للضيف بألا يطيل في الجلوس بعد الطعام؛ لأن نرى هذه الأيام وفي كثيرٍ من الدعوات يبقى الضيوف بعد وجبات الأكل ساعات طويلة وهذا مما يزعج المضيف؛ فقد يكون ملتزمًا بنشاط آخر أو مريضًا أو لديه أطفال “فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا”.

 

وفي إكرام الضيف مما يكنّ من منزلة اجتماعية كبيرة أو صغيرة مهمة أو غير مهمة، قال تعالى: “وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ” (21 يوسف) وإكرام الضيف هو واجب إجباري دون النظر إلى المستوى الاجتماعي، وعلى المضيف أن يجود بكل ما عنده في سبيل إكرام ضيفه، قال تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (9 الحشر) وهذه الآية الكريمة نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، عندما سأل الرسول صحابته، رضوان الله عليهم، عمن يُضيّف الأعرابي فقام أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه وقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، وقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: جودي بالأكل والشراب للضيف، نوّمي الصبية، وأطفئي المصباح، ففعلت، فنـزلت الآية أعلاه وهي دليل على سمو الأخلاق الإسلامية وأعلى صفات الكرم واستقبال الضيف بهذا المثل الراقي .

 

وفي المدرسة النبوية الشريفة في موضوع من آداب الاستقبال والتوديع كان رسولنا الكريم” يقول” :إن من سنة الضيف أن يُشيّعَ إلى باب الدار” وهو ما تؤكد عليه المدارس الدبلوماسية في طبيعة الاستقبال والتوديع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا خير فيمن لا يضيف”، حيث يعتبر إكرام الضيف والاهتمام به من مكارم الأخلاق والضيافة وليس فقط الأكل والشراب وإنما بكل مفردات الضيافة من حسن الترحيب والاهتمام به لحين المغادرة، أما صفة الوقوف للضيف أو للزائر، فكانت السيرة النبوية ثريةً بهذه الصفة وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة عندما دخلت عليه وهي ابنته، وقامت له رضي الله عنها عندما دخل بيتها، وقام الصحابة- رضي الله عنهم- عندما دخل عليهم رسولنا الكريم.

 

نبه الإسلام على عدم القدوم أو الزيارة بدون إعلام صاحب الدار أو صاحب الشأن؛ فلا ينبغي للضيف أن يفاجئ أهل البيت، بل يخبرهم قدر الإمكان بعزمه على زيارتهم، ووقت الزيارة والغرض منها وإن أمكن مدة المكوث؛ حتى يصلحوا من حالهم في أنفسهم وفي بيوتهم، ويستعدوا لاستقباله، ومن مكارم الأخلاق أيضًا في الإسلام أنه يجب على الضيف ألا يسأل عن نوع وطبيعة الأكل وأن يجلس بالمكان الذي يخبره به المُضيف ولا ينتقد الطعام أو المكان و لا يستهزئ في أمور الحديث ولا يناقش في أمور تجلب الحساسية سواء في “السياسة أم الدين” ولا يطيل في الجلوس بعد الدعوة ولا يجلب معه أشخاصًا دون دعوة فيسبب إحراجا للمضيف.

 

وفي الختام، عن الإمام علي قال: “لِأَن أجمع إخوانا على صالح طعام أحبُّ إليّ من أن أعتق رقبة” وهذه هي مدرسة الرسول الكريم وآل بيته الكرام وصالح الطعام ليس بالكثرة والتنوع المبالغ فيه، وإنما بما يجود به الشخص وعلينا جمعيا الاقتداء بهذه الآداب الكريمة ولنكون قدوة في مجتمعنا وحياتنا اليومية. نقلا عن روزاليوسف