أفغانستان بين دخول وانسحاب الأمريكيين

محمد ارسلان
الأمر الملفت للانتباه هو التمدد السريع لحركة طالبان في أفغانستان اعقاب اعلان الجيش الامريكي الانسحاب منها بعد أكثر من عقدين من الزمن. هذا التمدد والانتشار يؤكد أن الأمريكيين طيلة تلك المدة لم يكونوا يؤسسوا لدولة بقدر ما كانوا يسيرون سياسة إدارة أزمة وإدارة حركة طالبان إن كان بشكل مباشر في أفغانستان أو غير مباشر في قطر عبر مكتبها الرسمي هناك. انتشار الفوضى في أفغانستان كان أولى تداعياته الفوضى التي عمَّت دولة قطر التي لطالما كانت مرتعاً لحركة طالبان وجماعة الاخوان المسلمين وشخوصها الذين لم يتوانوا بإصدار الفتاوي التي تحرض على العنف والقتل والدمار في عديد من الدول، بدءاً من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن بشكل مباشر أو غير مباشر كما تدخلها في السودان والصومال واثيوبيا هذا من جهة، ودعم قطر السخي جداً لأردوغان خليفتهم المزعوم لتحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة ونشر الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة.

أمريكا التي أعلنت دخولها إلى أفغانستان في بداية القرن الحادي والعشرون وبعد تفجير برجي التجارة واتهام القاعدة بذلك، أرسلت آلاف من جنودها بحجة محاربة الإرهاب والقضاء عليه. ومنذ ذلك الوقت وحتى الان ورغم كل ما قام به الجيش الأمريكي نرى أن القاعدة وطالبان لم يتم القضاء عليهما بقدر ما تم تعليق دورهما ووظيفتهما لحتى حين. وهذا الـ “حين”، قد حان وقته الآن لنبدأ الحكاية من جديد وكأن شيئاً لم يحصل.

سيتم اعلان الحرب على طالبان ثانية بعد تمددها في عموم أفغانستان والسيطرة على مقاليد الحكم فيها. هذه الحرب التي سيتم الإعلان عنها من قبل نفس القوى التي انسحبت منها ليس من أجل القضاء على طالبان بكل تأكيد، بل من أجل القضاء على الجماعات التي ستخرج من قمقم طاعة القوى المنسحبة، والتي ستصدق بأنها باتت قوة بمقدورها أن تقول “لا” لأمريكا. كل فصيل أو تيار سيخرج عن الوظيفة التي تم رسمها له سيتم التعامل معه على أنه إرهابي ويجب القضاء عليه وفق المنظور الغربي طبعاً، وكل من لم يخرج نت بيت الطاعة الأمريكي سيبقى يتلقى الدعم المادي والمعنوي واللوجستي، طالما ينفذ ما يُطلب منه.

وما سيطلب منهم الكثير بكل تأكيد. لأن جغرافية أفغانستان كبيرة وتطل على دول عديدة سمتها أمريكا بالدول العاقة والتي تضر بالاستقرار العالمي. طبعاً، هذه الدول معروفة وستكون مسرحاً لأعمال عنف مختلفة الأشكال والدوافع والأهداف، بغض النظر عن الهدف الذي سيكون هو هو لن يتغير، وهو فرض الطاعة على تلك الدول وجرها للخنوع. الصين وروسيا وباكستان والهند والأهم هي إيران، هذه الدول التي تتشارك حدود طويلة مع أفغانستان أعلنت عن حالة التأهب على حدودها مع أفغانستان وارسلت الآلاف من جنودها للحدود لمنع طالبان من التغلغل إليها.

طالبان ستلعب بورقة الدين لاستفزاز المسلمين في تلك الدول على حكوماتهم، وهذا ما برعت فيه طالبان في حقبة التسعينيات حينما حاربت الجيش الأحمر السوفيتي وجعلته يندم على دخول أفغانستان حتى راح يجر ذيول الخسارة والخيبة منها. السنوات القادمة ستكون مليئة بأحداث الأكشن التي مللنا منها في سوريا والعراق وليبيا واليمن، لتبدأ الأحداث المثيرة أكثر بين الدول التي لها حدود مع أفغانستان.

ربما ما يحدث في قطر له علاقة مباشرة بما يحصل في أفغانستان من تحركات لقوى وانتشار لطالبان والأهم ما هو بعد ذلك. قطر التي كانت الممول الرئيس لأردوغان كي يعيث فساداً وخراباً وفوضى في سوريا والعراق وليبيا واليمن. فهل ستكون هي أيضاً الممول الرئيس لما تم الخطيط له في أفغانستان ونشر الفوضى في دول الجوار لها؟ أم أنها حاولت التملص من هذه المهمة؟ وأن ما يحدث في قطر هي عقوبة لها على هذا التملص والمماطلة؟ لأن خروج آل مرّة ليس صدفة مع ما يحدث في المنطقة. أعتقد بأن خروج آل مرّة في قطر الآن لا يختلف عن ظهور البوعزيزي في تونس وأطفال درعا في سوريا وأصحاب الجمل في مصر وقطع المياه عن الاحوازيين في إيران، تختلف المشاهد ولكن الهدف لا يتغير، وهو رسالة لكل من لن ينصاع ويوقع على بياض للقوى الغربية، وحتى إن خدمهم حتى النخاع. مقياس الصداقة لدى قوى الهيمنة الغربية ليس مدى خنوعك وانصياعك وتقديم الأموال لهم، بقدر حجم الانصياع وتنفيذ ما هو مطلوب منك!

أردوغان تركيا الذي يعاني ما يعانيه من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية في الداخل ومشاكل دبلوماسية وتدخل في دول المنطقة وما ترتب عليه من صفر صداقة مع هذه الدول، لم يستطع أن يقول “لا” لأمريكا والناتو اللذين أمرا أردوغان بإرسال جنوده وحماية مطار كابول في أفغانستان. مهمة حماية المطار والتهديد الذي ارسلته طالبان لتركيا لسحب جنوده، كل ذلك لن يغير من المعادلة شيء وهي أن الجيش التركي ليس عائد لتركيا بقدر ما هو جزء من حلف الناتو والمطلوب منه تنفيذ أجنداته. ولهذا الأمر نرى أن الدول الغربية وقوى الهيمنة تغض النظر عمّا يفعله أردوغان في المنطقة من عربدة بكل معنى الكلمة.

انسحاب أو/ وخروج الجيش الأمريكي ليس كما فترة دخوله لأفغانستان. بكل تأكيد دخوله كان لترويضه وتهيئته لهذه المرحلة التي نراها بكل تفاصيلها. انسحاب الجنود الأمريكيين من أفغانستان هو بنفس الوقت إيعاز بخروج الوحش أو المارد طلبان من أفغانستان أي (القمقم).

انتشار طالبان بهذه السرعة في افغانستان يذكرنا بسرعة انتشار داعش في العراق وسوريا. كلنا يتذكر كيف أن داعش استولى على الموصل والرقة خلال يومين وهو ما يحصل الآن واستيلاء طالبان على قندهار والمدن الأخرى خلال يومين أيضاً. استولى داعش على الأسلحة التي تركها الجيش العراقي أثناء هروبه من الموصل أو انضمام من تبقى منهم إلى داعش، هو نفس المسرحية الآن في أفغانستان حيث هرب معظم الجنود الأفغان إلى الولايات المختلفة أو دول الجوار كما حصل يوم أمس وهروبهم إلى إيران، وترك الأسلحة الأمريكية خلفهم لطالبان.

ما سننتظره بكل تأكيد هو من سيقف بوجه تمدد طالبان ويكسر شوكتهم الإرهابية كما حصل مع داعش. الكل يعلم أن أول من تصدى لداعش في العراق كانت قوات الكريلا من حزب العمال الكردستاني في جبال شنكال/سنجار، حينما حاولت داعش السيطرة على هذه المنطقة بعدما هرب جنود الجيش العراقي وبيشمركة البارزاني منها. وانتهت حكاية داعش في الباغوز في سوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية وقوات حماية المرأة التي كان لها الدور الرئيس في دحر هذا الإرهاب. الآن في أفغانستان سننتظر لنرى من سيقف في وجه تمدد الإرهاب الأسود لطالبان، وربما نرى المرأة الأفغانية ستلعب دوراً مهماً في دحر هذا الإرهاب كما فعلته المرأة في شمالي وشرقي سوريا.