المتاجرون بالإسلام!

بقلم : هاني عبدالله
من أنقرة إلي كوالالمبور.. وقائع استهداف الدول الوطنية لحسام الإسلام السياسي

على مدار شهر ونصف الشهر، كانت صفحات «روزاليوسف» تقتحم -عبر دراسة وثائقية- عديدًا من المساحات الغائمة حول نشاط تنظيم الإخوان (الإرهابى) فى قلب آسيا.. لم يكن قرار نشر الدراسة (التى تُنشر حلقتها الأخيرة بهذا العدد) عشوائيًّا.. إذ استبق قرار النشر التجهيز لـ«مؤتمر كوالالمبور» (الموصف بالإسلامية) بأيام قليلة.. كما كان قرار النشر -فى حد ذاته- محاولة لاستشراف مساحات الحركة «المُحتملة» لتنظيم الجماعة الدولى، بعد انكشاف أغلب أذرع التنظيم ومؤسساته فى أعقاب الثورة المصرية (ثورة 30 يونيو 2013م). .. كانت الثورة المصرية، لا ريب، صاحبة الفضل الأكبر فى تعرية التنظيم داخل العمقين الأوروبى والعربى (فضلاً عن الاضطرابات التى شهدتها أفرعه الأمريكية، مع تراجع أجندة «الحزب الديمقراطى» انتخابيًّا).. لذلك، كان البحث عن إعادة توظيف التواجد «الآسيوى» للتنظيم، ودمجه مع تحالفات [أممية] شبيهة (بقيادة الدول الراعية للإرهاب: تركيا وقطر)، هو الاحتمال الراجح فى تقديرنا.. خصوصًا بعد الانحيازات التى أبداها التنظيم «الإرهابى» فى أعقاب «قمة يوليو» بين كل من: ماليزيا وتركيا وباكستان.. ومحاولة إعادة تسويق خطاب تيار الإسلام السياسى (الأممى)، عبر المنابر الإعلامية الموجهة من «أنقرة» و«الدوحة». ومع تجدد الدعوة لما أطلق عليه «قمة إسلامية مصغرة» مع اقتراب نهاية نوفمبر الماضى، باتت الصورة أوضح بأن هناك تحركًا تقوده «أنقرة» (الإردوغانية)، وتدعمه «الدويلة القطرية»؛ لصناعة غطاء أممى جديد، لتيار الإسلام السياسى، بشكل عام.. إذ اتسعت الدعوات لتضم إلى جوار ماليزيا وقطر وتركيا كلاً من إندونيسيا وإيران وباكستان (قبل أن تعتذر الأخيرة عن المشاركة).

01 – أجندة مشبوهة

منذ اللحظات الأولى التى أطلق خلالها رئيس الوزراء الماليزى «مهاتير محمد» دعوته فى أعقاب لقائه والرئيس التركى «رجب طيب إردوغان» بنيويورك- على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة- كانت أجندة تيار «الإسلام السياسى» فى مواجهة منظمات العالم الإسلامى الأخرى (منظمة التعاون الإسلامى نموذجًا)، هى الأبرز.. إذ نصَّب أصحاب الدعوة أنفسهم -على عادة أبناء التيار- كمتحدثين بالنيابة عن العالم الإسلامى بمختلف بلدانه.. وحاولوا تسويق «أجندة التيار» دوليًّا، عبر مزاعم «مواجهة الإسلاموفوبيا»، مُقترحين إطلاق قناة تليفزيونية لهذا الغرض. فقبل أيام من المؤتمر هاجم مستشار الرئيس التركى «ياسين أقطاى» (مُنظر القمة) الدول العربية، وقال: «أين هؤلاء.. لا تجدهم حاضِرين عند الخطر المُنتَشر فى العالم، والمُحدِق بالإسلام والمُسلمين، والمُتمثّل فى بثّ الكراهية والعَداء للإسلام، لا نجدهم كلّما كان هذا الخطر مُشكلة نبحث لها عن حل، بِتنا نرى خطواتهم تُغذِّى العَداء ضِد الإسلام». كلام «أقطاى» كاشف بطبيعته عن أجندة التيار (الإرهابى) الذى يدعمه رئيسه.. إذ اتهم صراحةً الدول الإسلامية (غير تلك المؤتمرة فى كوالالمبور) بأنها تعمل ضد الإسلام(!).. وهو نهج يعلمه جيدًا كلُ من درس -عن قرب- أفكار ومعتقدات الإسلام السياسى.. وكيف أنها تسقط -بالتبعية- صفة الإسلامية عن كل من هو خارج إطارها التنظيمى(!).. أى أننا أمام حالة من «التكفير» الممنهج.. لكنها تطال، هذه المرة، الدول.. لا الأفراد فقط(!)

02 – الماريونيت التركى

كانت كلمات «أقطاى» بمثابة دفعة تحفيزية لأعضاء «تنظيم الإخوان» (الإرهابى) المشمولين بالرعاية التركية والقطرية؛ لا لاستهداف دول العالم الإسلامى فحسب.. بل لتصفية حسابات التنظيم مع مفهوم «الدولة الوطنية» (التى أسقطت مشروع الجماعة) فى مقابل إعلاء أفكار التيار الأممية. .. إذ كتب الإخوانى الهارب «سيف الدين عبدالفتاح»، مقالاً يحتفى خلاله بالمؤتمر، على موقع «عربى بوست».. وزعم «عبدالفتاح» (الدارس للعلوم السياسية!) أن نشأة «الدولة القومية»، المرتبطة فى تقديره بالفترات الاستعمارية، أثرت سلبًا على مفهوم الأمة عامة، ومفهوم الأمة الإسلامية (أى المفهوم الذى تتبناه جماعته) على وجه الخصوص (!) .. وفى الحقيقة فإن ما قاله «عبدالفتاح» لم يخرج فى مضمونه عن الإطار الذى ترسمه باستمرار معتقدات «جماعة الإخوان» حول فكرة الخلافة (أممية التكوين).. إذ تتجاوز تلك الفكرة «المندثرة» عددًا من حقائق التاريخ، منها أن عددًا غير قليل من الدول الوطنية (المعاصرة) لم يكن صنيعة الحقبة الاستعمارية كما تزعم الجماعة الإرهابية.. بل إن من هذه الدول -مثل مصر- من يتجاوز (حضاريًّا) نشأة دولة الإسلام الأولى، التى يزعم تيار الإسلام السياسى (إجمالاً) أنه يسعى لإحيائها.. فى عملية تجارية (مكتملة الأركان) تحاول باستمرار تسويق الإسلام وقبض ثمنه (!)

03 – مهاتير وأشياءٌ أخرى

وسط أجواء الرفض العربى الواسع، والتنبه الإسلامى المبكر لمحتوى «الأجندات غير المعلنة» للقمة، قال «مهاتير محمد»، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الماليزية الرسمية: إن بلاده لا تقصد من وراء «قمة كوالالمبور» تولى الدور الذى تقوم به «منظمة التعاون الإسلامى».. متابعًا: «من الأفضل أن تستمر السعودية فى لعب دورها.. إن ماليزيا صغيرة للغاية لتتكلف الدور المعنى.. فالقمة تهدف إلى إيجاد حلول جديدة للأمة الإسلامية». ورغم أن التوجه الذى أبداه «مهاتير محمد» كان أقل فجاجة من رفقائه الأتراك والقطريين (وربائبهم من الإخوان).. إلا أن النتيجة النهائية، هى أن الرجل يتبنى الخطاب الأممى (المندثر) ذاته.. ولعل مراجعة تصريحاته خلال القمة توضح بصورة أكبر هذا الأمر، إذ كان من بينها: – «لم نقم بما يجب علينا فعله كدول مستقلة، نحن نبكى غياب الحضارة الإسلامية، وندعو الله أن يساعدنا.. لكن يجب أن نعلم أن عون الله لن يأتى إن لم نقم بما علينا فعله». – «هذه الحالة الراهنة لم تكن بالماضى .. كان المسلمون يعاملون باحترام، لذلك علينا أن نبحث عن أسباب السقوط التى أدت بنا إلى هذا الحال». .. وهى حالة تتماشى تمامًا مع السياق الفكرى،الذى يروج له الثلاثي: «تركيا/ قطر/ الإخوان».. كما أن فى تاريخ الرجل عديدًا من المواقف التى لا تنفصل عن هذا التوجه.

04 – بارانويا العثمانلى

تبدو الحالة الإردوغانية (المضطربة بطبيعتها) تسعى من وراء المؤتمر للتعبير عن حالة وجود وتأثير «وهمية»، فى ظل الإخفاقات المتوالية: إقليميًّا (داخل منطقة الشرق الأوسط)، وإسلاميًّا (بعد دعمها السافر للإرهاب، وسقوط مشروع الخلافة)، ودوليًّا (بعد خسارة أنقرة لعديد من حلفائها).. لذلك، دأبت «السياسات التركية» وسط تلك الأجواء -حتى وقت أخير- على افتعال العديد من الأزمات.

هذا الأسلوب التصادمى بدا (داخل الشرق الأوسط) فى توجهات إردوغان الداعمة للإرهاب فى كل من سوريا وليبيا.. و(دوليًّا) فى تعامله مع ملف الغاز فى مواجهة دول شرق المتوسط: مصر وقبرص واليونان.. و(إسلاميًّا) فى البحث أخيرًا عن دور [خيالى] لإحياء «أحلام الخلافة العثمانية» (بزعم التخلص من التبعية الغربية، وهربًا من عقوبات دولية: قائمة أو محتملة)، أو بادعاء التحرك نحو تحرير العالم الإسلامى من الهيمنة الاستعمارية (أملاً فى نيل دعم أنصار جدد، بعد أن لفظه أغلب دول العالم الإسلامى،باستثناء الدويلة القطرية)، أو حتى قفزًا على أفكار الآخرين، بطرح مراجعة طبيعة «النظام العالمى» (وهى الدعوة التى عبرت عنها -ابتداءً- الدولة المصرية خلال المؤتمر الأخير لشباب العالم).

تعكس التداعيات السابقة كافة، أننا أمام تحالف واضح الملامح لدول «الإسلام السياسى» لا الدول الإسلامية.. تحالف يوظف الإسلام لحساب أسوأ التيارات التى ابتلى بها الإسلام ذاته.. تحالف لن يدوم، بطبيعة الحال.. ولا يجب له أن يدوم.

05 – كلمة

أكثر ما انتكست به أمة الإسلام (فى حقيقة الأمر)، هم هؤلاء: من يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعى(!)