وزارة اللا مستحيل

وزارة اللا مستحيل

د.سالم الكتبي

بعد ثلاث سنوات من تأسيس وزارة مختصة بالسعادة وأخرى للتسامح وثالثة للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، تم الإعلان مؤخرًا عن وزارة اللا مستحيل، وحظيت هذه الوزارة الوليدة بقدر من النقاشات على المستويين المحلي والعربي، وهذا أمر بديهي لأن الإمارات اعتادت أن تقود قاطرة الابتكار والإبداع والتطوير والنقاش الإيجابي في المنطقة والعالم.

 

وبالتالي فإن مخرجات هذه الثقافة لن تكون تقليدية، وهي بالفعل كذلك، فنحن أمام وزارة افتراضية غير تقليدية بدون وزير، يشرف على مهامها مجموعات عمل من الوزراء، يتولون ملفات محددة تستهدف إلغاء كلمة المستحيل من قاموس الشعب الإماراتي.

 

ومثل هذا الهدف الطموح يتطلب مبادرات طموحة خلاقة، ومن ثم ولدت هذه المبادرة الفريدة، التي ستعمل على إعادة هندسة المنظومات الحكومية والسلوكيات المجتمعية والتفكير الاستباقي في التعامل مع ملفات وطنية محددة، مثل إدارة الخدمات الاستباقية وإدارة المكافآت السلوكية وإدارة اكتشاف المواهب والمهارات، وإدارة منصة المشتريات الحكومية. وقد فسر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فكرته للجميع ببساطة حين قال “واقعنا الذي نعيشه اليوم في الإمارات هو نتاج أفكار غير تقليدية لقادة غير تقليديين”، مضيفًا سموه: “طموحاتنا للمستقبل ليست تقليدية.. ونحتاج لمنظومات غير تقليدية لجعلها واقعًا ملموسا”، مؤكدًا أن “المستحيل ليس في قاموسنا.. وليس جزءًا من تفكيرنا.. ولن يكون جزءًا من مستقبلنا”.

 

هذه هي فلسفة إطلاق هذه المبادرة ببساطة شديدة، فهي وزارة لازمة لمواجهة تحديات المستقبل من خلال منظومة عمل افتراضية مبتكرة ومنظور غير تقليدي للحلول والبدائل، سواء في طبيعة هذه الحلول أو طرق تنفيذها أو توقيتات هذا التنفيذ، فهي تؤسس لجيل جديد من الممارسات الحكومية، وهذا نتاج تفاعل دولة الإمارات مع مجمل التفكير العالمي الخلاق الذي يتم استعراضه خلال فعاليات القمة الحكومية التي تستضيفها دبي سنويًا.

 

من يستغرب فكرة تحدي المستحيل لا يعرف جيدًا تاريخ دولة الإمارات وتطورها التنموي، فكل محطة من محطات هذا التاريخ سواء كانت في مرحلة التأسيس على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أو في مرحلة التمكين بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، هي تحد يستحق الدراسة والتأمل، فمن كان يتصور أن صحراء جرداء يمكن أن تحتضن أجمل مدن العالم وأكثرها تطورًا وحضارة وحداثة؟ ومن كان يتصور أن تمتلك الامارات كل هذه الجامعات المحلية والعالمية في مدنها المختلفة وهي التي لم تكن تمتلك جامعة واحدة عند تأسيس الدولة؟! وأي متأمل لصور الماضي وعايش واقع الحال الراهن، يدرك جيدًا أن هذا الانتقال الحضاري ليس سوى معجزة اخترقت جدار المستحيل.

 

وفي مواجهة ما تحقق فيما مضي يصبح البحث عن حلول وبدائل لإشكاليات الحاضر والمستقبل بشكل ابتكاري تحد يمكن الحكم مسبقًا على نتائجه بالنجاح والتميز، فمن حققوا كل هذه الإنجازات قادرون على إلغاء كلمة المستحيل من قاموس مفرداتهم، فالقائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد ، طيب الله ثراه، غرس في أبناء شعب الإمارات روح التحدي، وأصبحت المبارزة مع التحديات مسألة تلوح في أفق الجميع خلال عملهم ودراستهم وحياتهم اليومية.

 

الإمارات التي يتردد في جنبات مؤسساتها مفهوم روح الفريق تعمل من دون كلل أو ملل للوصول إلى قمة مراتب التنافسية العالمية، وتمضي في سبيل ذلك وفق رؤى استراتيجية واضحة، بدأت برؤية الإمارات 2021، ثم مئوية الامارات 2071، حين تحتفل الدولة بمائة عام على تأسيسها، وما تحقق حتى الآن من أهداف هذه الرؤى يؤكد أنها ستبلغ أهدافها قبل التوقيتات المحددة لها، فهناك قيادة تسهر على راحة ورفاه وسعادة شعبها، وتسعى لوضع الامارات في مصاف الدول المتقدمة عالميًا، وهي تمضي بالفعل نحو القمة في مختلف مؤشرات التنافسية بحسب ما يدرك الجميع ويتابعون، حيث بات الكل في منطقتنا يرى أن الامارات هي أرض الاحلام وتفكيرها دائما خارج الصندوق، ويثبت تميزه ونجاحه، فوزارة التسامح باتت من أبرز قادة جهود نشر هذه القيمة الإنسانية الغالية إقليميا وعالميًا، ووزارة السعادة نجحت في مأسسة معايير السعادة وارتقت بها حتى أصبح العمل على إسعاد المواطنين والمقيمين سعادة مترسخة في الممارسات اليومية بمختلف المؤسسات وقطاعات العمل والإنتاج والخدمات بالدولة.

مثل هذه المبادرة الخلاقة هي من أبرز سمات ريادة الإمارات وقيادتها لمنطقتها، فهي ليست مبادرات رفاه كما قد يعتقد بعض من لا يعرفون طبيعة ما يحدث عن أرض الإمارات، أما الحاقدون المغرضون فلا عزاء لهم، وكفى ما يشعرون به من حقد وقيود وأغلال تكبل أفكارهم وتحول دون رؤيتهم للحقائق من دون أوهام.