عماد الدين حسين:مصر والسعودية.. البحث عن علاقة ناضجة

 

هل هناك خلاف مصرى سعودى هذه الأيام.. أم أن كل ما يقال يندرج فى خانة المؤامرة الكونية التى تريد اختلاق أزمة بين البلدين بكل السبل الممكنة؟.

 

السؤال بطريقة أخرى: هل العلاقة سمن على عسل، أم أنها وصلت إلى طريق مسدود؟!.

 

الإجابة ببساطة أن هناك مشكلة فعلية فى علاقات البلدين، لكنها أزمة عادية، ينبغى وضعها فى إطارها الصحيح، والتعامل معها بطريقة حضارية، حتى لا نتفاجأ بأن دور البرد العادى قد تحول إلى سرطان!.

المشكلات والخلافات والاختلاف والتباينات بين الدول أمر طبيعى وتحدث كل يوم. الفارق الرئيسى أن هناك بلدانا لديها آليات تستوعب هذه الخلافات وتحلها، وبلدانا أخرى تتركها تتفاقم حتى تصل إلى نقطة اللاعودة.

 

علاقات مصر والسعودية، ليست عادية، كالعلاقات مثلا بين مصر والنرويج أو بين السعودية وإستونيا. هى علاقات لها خصوصية بحكم أن البلدين هما الأكثر تأثيرا فى المنطقة العربية، ولأن السعودية بلد الحرمين الشريفين ولوجود أكبر جالية مصرية بالخارج هناك، وأسباب أخرى كثيرة منها المساعدات الاقتصادية.

 

ولأن المنطقة تمر بمرحلة عاصفة، تتعلق بمستقبلها، بدأت الخلافات تظهر علنا، وتخرج من الغرف المغلقة إلى الفضاء الرحب. مصر تفاجأت بأن المندوب السعودى فى الأمم المتحدة عبدالله المعلمى انتقدها علنا حينما صوتت لصالح القرار الفرنسى أولا ثم القرار الروسى ثانيا فى مجلس الأمن بشأن سوريا. فى المقابل تعتقد السعودية أن درجة وحدة الانتقادات المصرية زادت بصورة ملحوظة فى الفترة الأخيرة.

 

تريد المملكة أن تتبنى مصر نفس موقفها فيما يتعلق بسوريا. فى حين تقول القاهرة إنه لا يعقل أن نحارب القاعدة وداعش فى سيناء كما تحاربها السعودية فى أراضيها وتصنف السعودية الإخوان كجماعة ارهابية. ثم نحاول أن نساعدهم ليصلوا إلى الحكم فى سوريا. خصوصا أنهم يسيطرون على أغلب المناطق غير الخاضعة لسيطرة الجيش السورى، فى حين أن المعارضة الموصوفة بأنها معتدلة لاتزال غير مؤثرة، ولا تريد القاهرة أن يتكرر السيناريو الليبى فى سوريا حينما تم إسقاط القذافى من دون الإعداد الفعلى لليوم التالى.

 

تقول مصر إنها صوتت لصالح القرار الفرنسى المدعوم من السعودية وأمريكا وأوروبا، وعندما استخدمت روسيا حق النقض «الفيتو»، وطرح المشروع الروسى، فقد صوتت له، لأنه يدعو فى جزء كبير منه، إلى محاربة الإرهاب ويتيح وصول المساعدات الإنسانية للمحاصرين، وبالتالى فهى لا ترى أى تناقض بين الأمرين.

 

وبغض النظر عمن هو المحق ومن المخطئ، فإن القضية الحقيقية هى أن البلدين عاجزان عن بناء أساس حقيقى يستوعب الخلافات الطارئة أو حتى الكبيرة.

 

هذا العجز وعدم التعامل بشفافية ووضوح معظم الوقت يتيح لقضايا صغيرة جدا مثل حالة أحمد الجيزاوى عام ٢٠١٢ أن تتسبب فى أزمة كبرى بين البلدين.

 

الآن أوقفت السعودية ضخ الإمدادات البترولية المتفق عليها منذ أبريل الماضى بمعدل ٧٠٠ ألف طن شهريا ــ ليس منحة أو مساعدة، لكنها مدفوعة بتسهيلات فى السداد.

 

توقيت توقف شحنة شهر أكتوبر لا يمكن تفسيره إلا فى ضوء الخلافات حول سوريا، وربما ملفات أخرى، ولن يصدق أحد حينما يدعى البلدان أن الأمر بسبب إعادة تقييم الحصص بعد قرار أوبك بتخفيض الإنتاج.

 

كتبت قبل ذلك، وأكرر اليوم أن البلدين يحتاجان إلى آلية حقيقية تستوعب أى خلافات سواء كانت بسيطة أو كبيرة، ومن دون ذلك، فإن أى سوء فهم قد يوجه ضربة موجعة لعلاقات البلدين.

 

هذه العلاقات نسمع كل يوم أنها قوية ومتينة، ونتمنى أن تكون كذلك. لكن الواقع على الأرض يقول إن مقالا فى صحيفة أو تعليقا فى فضائية هنا أو هناك، قد يؤثر بشكل سلبى على العلاقات وعلى الرأى العام. خصوصا أن هناك متربصين بها، يريدون لها أن تتدهور من أول جماعة الإخوان التى تحلم بهذا اليوم، نهاية بإيران وإسرائيل ومرورا بقوى إقليمية ودولية.

 

المفترض أن البلدين لا يملكان ترف الدخول فى خلافات كبيرة، لأن حال المنطقة لا يسر إلا أعداء الأمة العربية، وإذا لم يستطع البلدان الوصول إلى صيغة عاقلة وثابتة وراسخة فى ظل هذه الأيام المدلهمة، فعلينا أن نتوقع ــ لا قدر الله ــ المزيد من الأخبار والتطورات المزعجة والسيئة لكل المنطقة العربية. الشروق