الإخوان.. والدولة الأمريكية العميقة!

الإخوان.. والدولة الأمريكية العميقة!

بقلم : د. رفعت سيد أحمد

إنه حلف قديم… منذ نهايات الأربعينيات من القرن الماضى.. حلف يقوم على التوظيف وتقاطع المصالح، إنه حلف الإخوان والأمريكان، وهو حلف سيستمر رغم صرخة (الكونجرس) الأخيرة… المطالبة بوضع جماعة الإخوان على لائحة الإرهاب، وهى الصرخات التى بدأت أولاها يوم 11/7/2018 لجنة الأمن القومى فى مجلس النواب بالكونجرس إثر جلسة استماع صاخبة، ثم توالت بعدها الصرخات والتى لاتزال مستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور..

 

 

فهل يا ترى ستصدر الإدارة الامريكية قانونا أو قرارا يضع الإخوان على لوائح الإرهاب الدولي؟ أم أن ثمة خلافا  مهما داخل  أجهزة تلك الإدارة سيحول دون ذلك استنادا إلى الدور والعلاقات القديمة والمصالح المشتركة بين تنظيم إسلامى متشعب العلاقات وبين دولة عظمى توظف أمثال تلك التنظيمات فى خدمة مصالحها بغض النظر عن ممارستها للإرهاب من عدمه؟ دعونا نسجل الهوامش التالية… أولا: إن الكونجرس يستند فى كل مناقشاته الأخيرة والقادمة بشأن الإخوان إلى طلبات لـ49 من أعضاء مجلس النواب منذ العام 2015 قدمت لوضع جماعة الإخوان على لوائح الإرهاب وإلى مشروع قانون أعدته إحدى لجان الكونجرس فى منتصف 2016 قبل انتخاب ترامب بشهور (انتخب ترامب فى 9/11/2016) ومشروع القانون حمل رقم 3892 مستندا إلى البند 219 فى قانون الهجرة والجنسية رقم 1189، وهو إن ووفق عليه فسوف يرتب آثارا مالية وسياسية قاسية على التنظيم الدولى للإخوان..

 

 

ثانيا: فور بدء جلسات الاستماع سالفة الذكر انزعج الإخوان وبدأوا فى التحرك الدولى الواسع لعلمهم أنه لو قدر لهذا القانون أن يصدر فسوف يؤثر على تحركاتهم ووظائفهم الدولية ومشروعهم السياسى والدعوى لذلك عشية جلسة لجنة الأمن القومى فى الكونجرس فى (11/7/2018) أصدر ما يسمى بالمجلس الثورى التابع للجماعة فى تركيا، بيانا جاء فيه أن وصف جماعة الإخوان بالإرهابية، لا يسيء فقط للإخوان، ولكن تمتد آثاره للإساءة إلى باقى الحركات الإسلامية، زاعمًا أن الجماعة لديها أنصار فى عدد كبير من الدول.

وفى رسالة تحذيرية للولايات المتحدة الأمريكية، هدد بيان المجلس أمريكا بتهديد مصالحها فى المنطقة، قائلاً: «المصالح الأمريكية التى يستهدف أعضاء اللجنة التشريعية فى الكونجرس حمايتها، تتعرض لمخاطر المقامرة بها، نتيجة إذكاء مواقف العداء تجاه جماعة الإخوان».

 

 

فيما قالت جماعة الإخوان فى بيان صادر باللغة الانجليزية على موقع «إخوان ويب»، إن المعتدلين الأمريكيين بإدارة أوباما سيعارضون هذا القرار، كما يواصلون مواجهة خطابات الفاشية والتعصب الأعمى الصادرة عن بعض السياسيين ومرشحى الرئاسة الأمريكية المتصلبين، والتى تمثل تهديدًا محتملًا على العلاقات بين الشعب الأمريكى والمسلمين) يعنى اعتبروا أنفسهم- كما هى عادتهم التى كانت سبب فشلهم فى الثورة والحكم فى مصر وسوريا- يمثلون «كل المسلمين فى العالم» رغم أنهم ليسوا كذلك أبد!!!.

 

 

ثالثا: يثار سؤال مهم بعد جلسات الاستماع تلك وهو لماذا الآن؟ يرى بعض الخبراء ردا على هذا السؤال المهم أنه رغم قدم حلف الإخوان والأمريكان وتشعب مصالحه. إلا أن نقاش وضعهم على لوائح الإرهاب  تفجر مجددا لأن الجمهوريين الذين يشكلون غالبية الكونجرس الآن لديهم تخوف من خسارة كبيرة لصالح الديمقراطيين فى انتخابات تجديد نصف المدة المفترض إجراؤها فى نوفمبر هذا العام، لذلك يحاول الجمهوريون استخدام قوة حضورهم الآن فى الكونجرس ومجلس الشيوخ لتمرير واحد من أهم المشروعات بالنسبة لهم، وهو مسألة إعلان جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، وهى مسألة عقيدة بالنسبة للناخب الأمريكى الذى يميل للجمهوريين، وكانت تلك المسألة سبباً فى فوز «ترامب» فى انتخابات 2016، ولو لم يتم تحقيقها أثناء الفترة الحالية سيخسر الحزب الجمهورى ثقة كتلة كبيرة من مؤيديه».

 

 

ويرى الخبراء أيضا أن جلسات الكونجرس لمناقشة إدراج الإخوان فى قوائم الإرهاب شديدة الأهمية وتأتى فى إطار الجلسات التى يعقدها الكونجرس من وقت لآخر لمناقشة الأمر، منذ تم فتحه فى سنة 2015 بعد تقديم 49 طلبا منفصلا من أعضاء فى الكونجرس، ومجلس الشيوخ- كما سبق وأشرنا- تطالب الإدارة الأمريكية بإدراج الإخوان كتنظيم إرهابى دولى، وقد قامت الهيئة القضائية فى الكونجرس منتصف عام 2016 بناءً على هذا العدد الضخم من الطلبات ومشروعات القوانين المقدمة، بإصدار قرار يلزم الإدارة الأمريكية «إدارة أوباما» آنذاك إما بالإذعان لهذه الطلبات أو تقديم رد مقنع ومرضى لرفضها إدراج الإخوان كتنظيم إرهابى، وكان يجب أن ترد الإدارة فى غضون 40 يومًا على الأكثر، لكن انشغل الجميع داخل أمريكا وخارجها بانتخابات الرئاسة الأمريكية ولم يهتم أحد بالمتابعة، وكانت وعود ترامب الانتخابية بإدراج الإخوان كتنظيم إرهابى حال وصوله للحكم مسكنا، جعل الجميع ينتظر، حتى جاء ترامب ولم يحدث شيء حتى اليوم (2018)

 

 

رابعا: وإذا أردنا أن نتزود من التاريخ ببعض المعلومات عن  جذور علاقات الإخوان بالأمريكان فعلينا أن نفتح ملف علاقات صهر حسن البنا المدعو سعيد رمضان ومؤامراته المدعومة مباشرة من رؤساء أمريكا بدءا بأيزنهاور «وله صور شهيرة معه» وصولا لكيندى فى الخمسينيات والستينيات.. مؤامراته هو وجماعة الإخوان ضد النظام الوطنى لجمال عبدالناصر وصولا إلى دور يوسف ندافى لندن (وبريطانيا تحمى وتوظف جماعة الإخوان تاريخيا وتلك قصة أخرى ربما نعود إليها مستقبلا!!!) ومنظمة (كير) الإخوانية  فى واشنطن..

 

 

فضلا عن هذا يحدثنا التاريخ أن علاقات الإخوان بالأمريكان لم تبدأ فى ثورة يناير عام 2011 حين زار مكتب الإرشاد على مدار العامين التاليين لها حوالى 12 من كبار رجال المخابرات والساسة الأمريكان وفى مقدمتهم آن باترسون سفيرة أمريكا فى مصر أو وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية (فى زيارته لمقر حزب الحرية والعدالة وكانت فى 10/1/2012) وكان فى استقباله وقتها (الكتاتنى وعصام العريان) لقد كانت العلاقات أقدم وأعقد من ذلك كما سبق وأشرنا، ولذا هى ستستمر رغم احتجاجات بعض لجان الكونجرس، ونحن أميل إلى أنه لن يتم إدراج الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية رغم هذه الجلسات والقرارات وذلك لأن هناك مصالح مهمة لأمريكا تريد توظيف تلك الجماعة فيها داخل المنطقة وبخاصة فى مصر وسوريا وليبيا وبعض دول الخليج؛ وفى مقدمتها إخضاع تلك الدول  لضغط الإرهاب المتأسلم الذى يمسك الإخوان وداعش والقاعدة بخيوطه، والهدف ابتزاز تلك الدول دعما لإسرائيل وفتحا لأسواق النفط والسلاح وتمزيقا لوحدة أراضيها وشعوبها.. وأيضا لن يصدر قانون وضع الإخوان على لوائح الإرهاب لأن أمريكا ترتبط بمصالح اقتصادية وعسكرية وسياسية مهمة مع دول يشارك فيها الإخوان فى الحكم مثل تركيا والأردن والمغرب وقبلهم جميعا قطر التى يتواجد على أرضها القيادات الأكثر تأثيرا من التنظيم الدولى للإخوان. ولذلك ستكتفى الإدارة الأمريكية بوضع جماعات صغيرة متفرعة من الإخوان مثل (حركة حسم  وحركة لواء الثورة فى مصر) وحركة حماس فى فلسطين خدمة للكيان الصهيونى بالأساس..وبعض الجماعات الصغيرة فى ليبيا وسوريا.. وسيكون القرار النهائى  بشأن تصنيف –أو عدم تصنيف-الإخوان أو جماعتها الصغيرة بالإرهاب هو قرار المخابرات الأمريكية وليس قرار الكونجرس رغم صراخه الدائم وجلسات استماعه الصاخبة.. إلا أن مولد الصخب هذا سينفض قريبا، وحلف المصالح والوظائف المتقاطعة بين الإخوان والأمريكان سيستمر  وإن بصيغ وأدوار ومهام مختلفة عن تلك التى أداها الإخوان فى سنوات ما سمى بالربيع العربي!!… والله أعلم. نقلا عن روزاليوسف