ترامب وبوتين في هلسنكي

ترامب وبوتين في هلسنكي

​​لواء دكتور/ سمير فرج

على مدار ساعتان، في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، التقى الزعيمان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، للتشاور حول عدد من الموضوعات الشائكة بين الدولتين.

 

وصل بوتين إلى اللقاء، وآثار الفرح والسعادة من نجاح روسيا، في تنظيم المونديال، وحسن بلاء فريق بلاده فيه، لازالت تعلو ملامحه. أما ترامب، فلقد وصل إلى اللقاء، وذهنه عالق بأهمية تحقيق مطالب سياسية، تتيح له أن يكون الرجل القوي، الذي تمكن من تحقيق مطالب أمريكا، على طاولة المفاوضات.

 

وقبل أن تبدأ المفاوضات، لاح في الأفق العديد من التكنهات حول نتائجها؛ فهل سترفع أمريكا العقوبات عن روسيا، بشأن قضية أوكرانيا؟ وهل سيتم إبرام صفقات سياسية، تتنازل بموجبها كل من الدولتين عن بعض شروطهما، مقابل تحقيق أهدافهما السياسية؟ وقبل تحليل تفاصيل اللقاء، نؤكد أن ترامب قد ذهب إليه، وهدفه الأول، والرئيسي، هو إيران، وأن يقنع الرئيس بوتين، في ضرورة التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، في حصارها لإيران، ومنعها من مد نفوذها في المنطقة.

 

وقبيل بدء الاجتماع، غرد ترامب، على صفحته بمنصة التواصل الاجتماعي، تويتر، والتي صارت المصدر الأول للمعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية، ذكر فيها أن “علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع روسيا لم تكن، قط، بمثل هذا السوء، بسبب سنوات طويلة من الحماقة والغباء الأمريكي”، في رسالة منه، لضرورة بدء صفحة جديدة من العلاقات الثنائية، في عهده، غير عابئ بكل مزاعم الحزب الديمقراطي الأمريكي، الحالية، عن تعاون روسيا معه في الانتخابات الأخيرة، التي أتت بها إلى البيت الأبيض.

 

أما على الجانب الروسي، فيمثل هذا اللقاء، وتلك التغريدات، اعترافاً رسمياً، بندية روسيا للولايات المتحدة، كدولة عظمى. وقد صرح بوتين، في أعقاب اللقاء، بأن المحادثات، كانت ناجحة ومفيدة للغاية، وأنها جرت في جو من الصراحة والشفافية، مضيفاً أن مستوى التفاهم بين الزعيمين على أعلى مستوى.

 

وخرج ترامب من الاجتماع، ليعلن أن المباحثات كانت بناءة، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، اتفقتا على العمل معاً لضمان أمن إسرائيل في المنطقة، وهو ما أكده بوتين في قوله، أن ترامب قضى وقتاً طويلاً في حديثه عن إسرائيل.

 

وأضاف أنهما تحدثا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأعربا عن نيتهما في تحديد أدوارهما في سوريا، بما يتوافق مع تحقيق أمن إسرائيل. في حين شدد ترامب على أهمية الضغط على إيران، ويبدوا أن الطرفان اتفقا على قيام روسيا بإقصاء إيران، وحزب الله، من سوريا، في سبيل أن تسمح أمريكا ببقاء الروس هناك، وهو غاية أمل روسيا، بضمان استمرار نفوذها في تلك المنطقة، من خلال القاعدة العسكرية الروسية، في ميناء طرطوس السوري، والحفاظ على منفذهم إلى البحر الأبيض المتوسط.

 

بينما أكد ترامب على أن وجوده في سوريا، مرهون بدحض داعش، وليس الوقوف مع أي جانب ضد الآخر.

 

لقد أظهر الجانبان، قدراً كبيراً من المرونة، في مباحثاتهما، بما يضمن خروج الزعيمان، وقد حقق كل منهما مكسباً رئيسياً، يعزز من استراتيجيات سياستهما الخارجية؛ فبالرغم من عدم دعم روسيا لمحاولات إلغاء الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران، إلا أن الرئيس الروسي، وأمام المكاسب التي حققها في سوريا، وحتى لا يكون خصماً عنيداً للولايات المتحدة الأمريكية، فقد استجاب لرغبة نظيره الأمريكي في إحكام الضغط على إيران، لضمان الحفاظ على أمن إسرائيل.

 

وظهر جلياً، أن الرئيسان، الأمريكي والروسي، لم يتعرضا بالنقاش لقضية القرن، إذ لم يصدر عن أي منهما، في المؤتمر الصحفي الذي عقداه بعد اللقاء، أي تصريح، أو تلميح، عن حلول للقضية الفلسطينية، والصراع مع إسرائيل.

 

ولكن بدا، بعد ذلك اللقاء، أن العلاقات الروسية-الأمريكية ستشهد، في الفترة القريبة القادمة، تطوراً كبيراً في أوجه التعاون في مجال المعلومات، ومحاولة التصدي للأزمات، وحلها مبكراً، والذي ظهر في تعبير الرئيس ترامب، بأن الخلافات السابقة بين الدولتين، كانت نتيجة لتعنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في محاولة منه للتأكيد على براعته وحنكته كسياسي، بما سيمكنه، في الفترة المقبلة، من كبح جماح روسيا، بما يتوافق مع السياسات الأمريكية.

 

ورغم اعتراضات الكونجرس على هذه الزيارة، إلا أننا سننتظر نتائج لقاءات ترامب مع أعضاء الكونجرس، في القاعات المغلقة، لنرى قدرته على إقناعهم، بأنه نجح في احتواء الدب الروسي. هذا ما ستظهره لنا الأيام في الفترة القادمة.

 

وفي غمار نشوة الروس بإقرار واعتراف العالم، بنجاحهم في تنظيم مونديال 2018، إلا أن احداً لم ينتقد بوتين، في عدم نجاحه في تخفيف القيود التي فرضها الغرب على روسيا بسبب أوكرانيا. وعلى أيه حال، يعتبر هذا اللقاء انفراجة حقيقية بين الدولتين العظميين، والذي من شأنه، المساعدة، مستقبلاً، في تخفيف أي احتقان يؤثر على مسار المتغيرات السياسية في العالم.