مولد السلاح النووي

مولد السلاح النووي

علاء حيدر
في الوقت الذي يضع فيه العالم يده على قلبه خوفا من انزلاق العالم لحرب عالمية نووية، في خضم الغزو الروسي لأوكرانيا، يقف ثلاثة علماء ألمان، وراء امتلاك أمريكا وروسيا للسلاح الذري المدمر الفتاك، الذي تمت تجربته مرة واحدة فقط، و أسفر عن وقوع مجزرة بشرية هائلة لمدينتي، هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، لتنهي القنبلتان الذريتان الأمريكيتان الحرب العالمية الثانية التي اندلعت في الأول من سبتمبر من العام 1939، في أعقاب غزو ألمانيا لبولندا بقيادة الزعيم النازي أدولف هتلر . و العلماء الثلاثة الألمان الذين صنعوا أو ساهموا في صنع هذا السلاح الفتاك، لأمريكا، و روسيا، أثنان منهم يهود، فرا من اضطهاد الحكم النازي الهتلري، في حين فر الثالث، و هو مسيحي الديانة، من ألمانيا النازية لاعتناقه الفكر الشيوعي، ليسرب للاتحاد السوفيتي، بقيادة روسيا، أسرار و تصميمات القنبلة الذرية الأمريكية، بعد أن انفردت الولايات المتحدة، بامتلاك السلاح الذري، لمدة أربع سنوات كاملة .

وكانت فكرة تصنيع القنبلة الذرية، قد خرجت للنور فور نجاح العالم اليهودي، ألبرت أينشتاين، في التوصل لنظرية النسبية، التي تلخصت في معادلة ” الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء ” و التي مهدت من خلال إستخدام خام ” اليورانيوم ” ذو القدرات التفجيرية الهائلة، في تصنيع السلاح الذري، القادر رغم صغر حجمه على إحداث تدمير هائل في الحجر و البشر .

و كان إينشتاين الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء في العام 1921 قد فر من بلده الأصلي ألمانيا، الى الولايات المتحدة، فور وصول الزعيم النازي هتلر للحكم في ألمانيا سنة 1933، خوفا من تعرضه للاضطهاد بسبب ديانته اليهودية.. ويعد تحذير أينشتاين، للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1882 – 1945) من خطورة اقتراب العلماء الألمان، بتعليمات من هتلر، من تصنيع السلاح الذري الفتاك، وراء إسراع الرئيس روزفلت بإطلاق مشروع “مانهاتن”، الذي أثمر عن نجاح أمريكا، في تصنيع القنبلة الذرية.. ويرجع اهتمام الرئيس روزفلت بتحذير أينشتاين، إلى الرعب و الفزع اللذان اجتاحا أمريكا وأوروبا فور نجاح هتلر في احتلال العديد من دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى .و نص مشروع مانهاتن، الذي شارك فيه علماء، إنجليز، و كنديين، إلى جانب العلماء الأمريكيين، على تولي الجيش الأمريكي مسئولية إقامة المنشئات و المعامل، و المختبرات، التي احتضنت مشروع صناعة القنابل الذرية، في حين تم إسناد مهمة رئاسة فريق العلماء الذي قام بتصنيع القنابل الذرية الأمريكية، للعالم الفيزيائي اليهودي، أوبن هايمر، الذي كان قد فر هو الآخر من ألمانيا، ليحظى بعد ذلك بلقب “أبو القنبلة الذرية الأمريكية”.. وقد تكلف مشروع مانهاتن 2 مليار دولار، وهو رقم مخيف بحسابات ذلك الزمن الذي لم يكن العالم معتادا فيه على المليارات كما هو الوضع اليوم.. وقد عمل ببرنامج مانهاتن نحو 130 ألف عالم، وفني، وعسكري، وانتهى المشروع في مرحلته الأولى بتصنيع ثلاث قنابل ذرية، الأولى: تمت تجربتها بنجاح في صحراء ولاية نيو مكسيكو الأمريكية في بداية العام 1945، في حين تم في 6 أغسطس من نفس العام إلقاء القنبلة الذرية الثانية التي أطلق عليها “الولد الصغير” على مدينة هيروشيما، و أسفرت عن مقتل 140 ألف ياباني، في حين ألقيت القنبلة الثالثة التي أطلق عليها ” الرجل البدين “، على مدينة نجازاكي، في 9 أغسطس 1945 أي بعد مرور ثلاثة أيام فقط من قنبلة هيروشيما، وأسفرت عن مصرع 80 ألف ياباني . و كان الرئيس الأمريكي هاري ترومان (1884 -1972) الذي حل محل الرئيس روزفلت الذي توفى خلال الحرب، قد حذر اليابان بعد استسلام ألمانيا النازية، من أنها إذا لم تستسلم هي الأخرى بدون قيد أو شرط، فإن الولايات المتحدة ستقصفها بسلاح جديد، ذو قدرات تدميرية هائلة، لكنه لم يكشف عن نوعية هذا السلاح المدمر ،غير أن اليابان بقيادة الإمبراطور، هيروهيتو، رفضت الاستسلام، غير مصدقة في وجود مثل هذا السلاح الفتاك، القادر كما زعم الرئيس هاري ترومان على إبادة مدن اليابان و شعبها بالكامل .و قد وصل تمسك اليابان بعدم الإستسلام، إلى حد تحمل تداعيات قصف مدينة هيروشيما بقنبلة الولد الصغير، لكن بعد أن تم دك نجازاكي بقنبلة الرجل البدين، تبين لليابانيين، أن أمريكا تمتلك بالفعل سلاحا فتاكا، قادرًا على إبادة اليابان من على الخريطة، لتستسلم اليابان بدون قيد أو شرط، لتنتهي الحرب العالمية الثانية بمولد السلاح الذري، الذي أصبح بمرور الوقت أكثر فتكا بتصنيع القنابل النووية، ثم القنابل الهيدروجينية .

وكان الاتحاد السوفيتي السابق، بقيادة روسيا، يمتلك هو الآخر مشروعا ذريا طموحا منذ العام 1939، بقيادة العالم الروسي، إيجور كورتشاتوف، الملقب بأبو القنبلة الذرية الروسية، غير أن نجاح المخابرات الروسية في تجنيد عالم الفيزياء الألماني الاصل الانجليزي الجنسية، كلاوس فوكس، الذي كان قد فر هو أيضا من النظام النازي الهتلري في 1933، رغم ديانته المسيحية، قد ساعد الروس بقوة في امتلاك السلاح الذري في 29 أغسطس 1949، ليدخل العالم مرحلة ثنائية القطبية، بعد أن ظل أحادي القطبية منذ امتلاك أمريكا للسلاح الذري في 1945.

وكان كلاوس فوكس، قد شارك في مشروع مانهاتن الأمريكي، واطلع على كل تفاصيله، بل تمكن من الحصول على ماكيتات المشروع، ليبادر بنقل تصميم تصنيع القنبلة الذرية للاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا، ليتوج عالم الفيزياء كورتشاتوف مجهوده بتسليح روسيا بالقنبلة الذرية بفضل معلومات الجاسوس كلاوس فوكس.. وكان خبر امتلاك روسيا للسلاح الذري قد نزل كالصاعقة على الولايات المتحدة، فقرر الرئيس هاري ترومان، إجراء تحقيقات، للتعرف على العوامل التي ساعدت روسيا على دخول العالم النووي بهذه السرعة بعد أن ظلت تحتكره الولايات المتحدة منفردة لمدة 4 سنوات، ليتبين أن كلاوس فوكس هو الذي سرب تصميم قنبلة البلوتونيوم التي دمرت مدينة نجازاكي للروس، لتتم محاكمته، ليصدر بحقه حكما بالسجن لمدة 14 عامًا.. و في التحقيقات عندما طرح سؤال على كلاوس فوكس، الذي وصفته أمريكا بأنه “أخطر جاسوس في التاريخ”، عن الاسباب التي دفعته لخيانة أمريكا التي احتضنته لصالح روسيا، رد كلاوس قائلاً “الأمر لم يكن يتعلق بالمال، لكن كان يتعلق بضرورة أن تتساوى القوى في العالم، فاستمرار العالم تحت رحمة أحادية القطبية، سينزل ظلم بين على العالم، لذلك بادرت بمساعدة العالم الروسي كورتشاتوف ليحقق إنجاز تصنيع السلاح الذري”.

وتعد إسرائيل بمثابة المستفيد الأول، والفائز الأكبر، من امتلاك و احتكار الولايات المتحدة للسلاح الذري، طوال 4 سنوات، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فخلال هذه الهيمنة نجحت الصهيونية العالمية، في تمهيد الطريق لإنشاء دولة إسرائيل في العام 1948، على الأراضي الفلسطينية، بفضل البروباجاندا التي روجت للإسهامات الجليلة التي قدمها العالمان اليهوديان البرت أينشتاين، و أوبن هايمر لأمريكا في المجال الذري، لتجعلها سيدة العالم، فضلا عن التعاطف الكبير الذي حظي به اليهود بسبب الهولوكوست، أو المحرقة، التي يقال أن هتلر أحرق بمقتضاها 6 ملايين يهودي أوروبي .

و قد حاولت إسرائيل رد الجميل لأينشتاين، فعرضت عليه رئاسة دولة إسرائيل في العام 1952، لكنه رفض المنصب، معللا رفضه بأنه رجل علم، ويفتقر للخبرة السياسية، فضلا عن تقدمه في العمر .

ونهاية فقد أثبت الغزو الروسي لأوكرانيا، أن من يمتلك السلاح النووي، يمتلك الأمن والسلام بل يمتلك أيضًا حرية التصرف حتى لو شن حربًا على دول مستقلة، ذات سيادة، مثلما فعلت أمريكا من قبل في مواجهة العراق، وأفغانستان، في حين كان التدمير مصير العراق عندما احتل صدام حسين دولة الكويت، ليس لأنه انتهك أراضي دولة ذات سيادة، ولكن لأنه لم يكن يمتلك سلاح الردع النووي مثل روسيا.