فاروق جويدة: وداع على شاطئ النيل

فاروق جويدة: وداع على شاطئ النيل

نقلا عن صحيفة الاهرام

شتاء بارد وعام يشد الرحال ويمضى..ووجوه موحشة هجرها الحب فأدمنت الكراهية وذكريات تشبه أوراق الخريف تتوارى خلف سحاب رمادى شاحب..ما الذى تفعله الآن وأنت تصافح أخر أيام السنة وآخر ذكرياتك معها بينما الشتاء يدق الأبواب بقسوة وكأنه نواقيس تعصف بالزمن والأشياء..ماذا تفعل الآن وأنت تودع عاما وتدرك أنه أخذ كل أشيائه ورحل وأنه لن يعود مرة أخرى..

 

عندى لك بعض النصائح لعلك تستفيد منها أعرف أن برودة الجو زادت وأن شتاء هذا العام شديد القسوة ولهذا أنصحك أن ترتدى ملابس ثقيلة وتختار مكانا بعيدا على شاطئ النيل فى منتصف ليل القاهرة..أحب القاهرة كثيرا حين ينتصف ليلها أشعر أننى أمام سيدة أنيقة ابنة ناس ترتدى ملابس وقورا ولكنها جذابة..القاهرة فى منتصف الليل مدينة للجمال وحين يقتحم حياتها الصخب المجنون تتحول ملابسها إلى أشلاء ممزقة تحت أقدام العابرين والسكارى وأعداء الجمال..

 

حاول أن تهبط قليلا لتكون قريبا من مياه النهر العتيق أعرف أنك تحبه وتحفظ أيامه ولياليه وهو أيضا يحبك ورغم ما فعله السفهاء بمائه النقى فإنه لم يخن العهد يوما لقد عاش آلاف السنين يأتى فى موعده ولم يتخلف عاما..سوف يشكو لك النهر جفاء الأبناء ولا مانع أن تشكو أنت له جفوة الأحباب وكلاكما يعانى جرحا..وهو يذكر كل أيامك على الشاطئ الجميل يذكر أحبابا هاجروا ويذكر أشجارا لم ترحمها أيادى قطاع الطرق ويذكر حين كنت تغنى له أجمل الكلمات..سوف يسألك كثيرا عن أحوال مصر والمصريين وسوف يستعيد معك النهر الخالد وأنا وحبيبى يا نيل نلنا أمانينا..

 

أنا النيل مقبرة للغزاة سوف ترى على مياهه الفضية صورا كثيرة لعصور من الشموخ وسوف تسمع منه آهات كثيرة لأننا أهملناه زمنا طويلا ولا يوجد مكان على شطآنه لم تلوثه بقايا الأشياء والبشر ولا يوجد فيه مكان للبسطاء والفقراء لقد تم توزيع الشواطئ على جماعات اقتحمت حرمته وأقامت نصبا تذكاريا لهواة القبح وأعداء الجمال..ما أجمل أن تودع العام بين أحضان النيل وتستعيد معه ذكريات زمان رحل..