ما الذي حدث للناس؟!

بقلم : محمد نجم
أعتقد أنه يجب علينا- كإعلاميين- أن ندق ناقوس الخطر لانتشار الجرائم الأسرية المفجعة مؤخرًا.
نعم.. كنا نسمع ونقرأ عن قتل أحد الأشخاص لشقيقه بسبب الخلاف على الميراث، أو قتل الأب لابنته البالغة انتقامًا للشرف وغسلا للعار، ولكن أن يقتل الأب أطفاله الصغار لأسباب وهمية وغامضة، أو أن تلقي الأم أطفالها الرضع في ترعة المياه أو على قضيب القطار بسبب خلافات مؤقتة مع زوجها.. فتلك «جريمة» كبرى على المجتمع وعلى مستقبل الوطن، فضلا على أنها انتهاك متعمد لما يسمى بالحق في الحياة.. سوف يحاسبنا الله عليها إن لم نتصد لها جميعا ونمنع استمرارها.
نعم.. ستظل الجرائم تحدث ما ظلت الأقدام تدب على الأرض، ومنها الجرائم التي اعتادت عليها المجتمعات مثل المشاجرات العنيفة التي قد تؤدي إلى القتل، وكذلك السرقة، أو الاتجار في المخدرات، وكذلك جرائم الاعتداء على الأموال والممتلكات، فتلك جرائم اعتادت عليها البشرية منذ أن قتل هابيل أخاه قابيل! وهي مخالفة للشرع وللقانون.. ومن أجلها تعقد المحاكمات وبنيت السجون للعقاب والتقويم وإعادة التأهيل، ولكن هذه «هي الحياة» كما يقول الفرنسيون، فيها الخير.. وفيها الشر، وفيها الصالح وفيها الطالح، وفيها كاظم الغيظ.. وفيها المندفع، والأسباب قد تكون معروفة ومفهومة.. لكنها غير مبررة على الإطلاق، ومنها العوز، أو الزحام، أو الطمع، أو الخيانة، أو الطموح الجامح.. إلخ.
لكن أن تقتل الأم طفلها الرضيع الذي حملته تسعة أشهر وأرضعته ما يقرب العامين.. فذلك هو الحدث الجلل، وهكذا- للأسف- فعلت إحدى السيدات بمحافظة المنيا، حيث ألقت بطفليها (الأول 5 سنوات، والآخر 6 أشهر)، في بحر يوسف بسبب رفض زوجها زيارة أهلها!
وكذلك فعل الأب أيضا.. فهذا سائق من دمياط يذبح زوجته ويسمم أطفاله الأربعة، بسبب خلافاته الدائمة مع زوجته!
وأعتقد كلنا قرأنا وانزعجنا لما فعله نجل المرحوم الفنان المرسي أبو العباس الذي خنق زوجته وطفليه، بسبب خسارته في البورصة بحجة الخوف عليهم من الفقر، والمصيبة أنه لم ينتحر بعد فعلته الشنعاء، لكنه أبلغ الشرطة بأنه تعرض للسرقة في منزله!
وبالطبع يتذكر القراء مذبحة الرحاب منذ عدة أشهر، حيث قتل الأب زوجته وأبناءه الثلاثة الشباب، ثم انتحر بعدها.
وما زلنا نعيش في أجواء مذبحة الرحاب الثانية والتي دفن فيها الأب خطيب ابنته تحت بلاط حمام الشقة، والغريب أن تساعده الابنة في ذلك!
كيف تسربت أو انتشرت تلك النوعية الغريبة من الجرائم إلى المجتمع المصري، الذي اشتهر بأنه مجتمع عائلي متماسك متسامح؟
السادة المختصون من الأطباء يعللون ذلك بسبب ما يسمى بالتفكك الأسري.. بسبب الطلاق، أو سفر الأب، أو وفاة الأم.. إلى آخره لكن هذا السبب قد يؤدي إلى ما يسمى بظاهرة أطفال الشوارع.
ويقولون أيضا إنها تحدث بسبب الزيادة السكانية، وهل معنى ذلك أن يضحي الأب بالبنت ليعيش الولد، أو العكس؟
ويقولون أيضا إنه بسبب انتشار المخدرات، والأمراض النفسية.. وهل تعاطي المخدرات.. عادة جديدة في المجتمع؟
في الحقيقة الموضوع مزعج ومخيف.. لقد نشأنا على أن الأبناء هم فلذة أكباد الآباء، وأن الأبناء هم السند والعكاز عند المرض أو بلوغ الشيخوخة، فكيف يقتل هؤلاء فلذات أكبادهم، وعلى من يستندون- بعد الله- عند مرضهم، أو بلوغهم مرحلة الشيخوخة حيث تصعب الحركة ويحتاجون لرعاية خاصة من أقرب الناس إليهم.. وهم الأبناء!
إن ما يدهشني- وللأسف الشديد- أن مثل هذه الجرائم لا تحدث في عالم الحيوانات، ولقد شاهدت فيديوهات كثيرة مصورة عن كيف تحمي الأمهات من الحيوانات أبناءها وتدافع عنهم بكل شراسة، وقد يصل الأمر إلى التضحية بنفسها من أجلهم، كأن تجري بعيدًا عن الوكر الذي يختبئ فيه أبناؤها، أو تترك نفسها طعاما لوحوش الغابة حتى لا يأكلوا صغارها.
والأشد غرابة عندما تهرب الأم خوفا من الوحش المهاجم سواء كان أسدًا أو نمرًا يكتشف الأخير أن ما تركته الأم ليس إلا رضيعا حديث الولادة، فيبدأ في مداعبته وحمايته من المهاجمين الآخرين!
لقد اعتادت الحيوانات أن تحمي بعضها، وتتجمع في صورة قطيع متماسك في حالة الصيد، أو عند صد الهجوم على إحداها، وأحيانا للانتقام للاعتداء على رضيع أو شبل صغير.
فهل عجزنا أن نتمثل بهم في حماية أبنائنا والحفاظ عليهم، أم نعجز كما عجز ابن آدم في التعلم من الغراب كيف يواري سوءة أخيه بعد أن قتله!
أيها الناس.. ارحموا أبناءكم ولا تعتدوا على حقهم في الحياة، وعلى المجتمع أن يتصدى لتلك الجرائم المزعجة.. بالوقاية قبل العلاج.نقلا عن روزاليوسف