بقلم : محمد نجم
عندنا مشكلة في إدارة أراضي الدولة للاستخدامات المختلفة، سواء كانت للاستثمار.. الزراعي، أو الصناعي، أو للإسكان.. أو أي أنشطة أخرى.
وقد يكون السبب في ذلك عدم وجود خرائط مساحية حديثة لجميع الأراضي الفضاء تحدد مكانها ومساحتها ومدى صلاحيتها للاستخدام المتاح أو الممكن.
السبب الآخر.. أن هناك حوالي 11 وزارة و6 هيئات، بخلاف المحافظات.. من حقها بيع أو تخصيص الأراضي، وهناك أيضا تعدد التشريعات المنظمة لذلك، والتي بلغ عددها حوالي 50 تشريعًا ما بين قانون وقرارات جمهورية.
والنتيجة.. في ظل عدم وجود نظام معلومات متكامل حول تلك الأراضي، وتعدد «الولاية» عليها، بالإضافة إلى كثرة التشريعات وتضاربها، أننا نستخدم 7% فقط من كافة الأراضي المصرية الفضاء والصالحة للاستخدام الاقتصادي.
هذا الوضع.. سهل توزيع مساحات شاسعة من الأراضي لبعض المحاسيب وذوي النفوذ الذين أسسوا جمعيات وهمية لاستصلاح واستزراع الأراضي.. والذين باعوها- بعد التسقيع- إلى مستثمرين آخرين تحت مسمى «التطوير العقاري» وتحولت تلك المساحات إلى «منتجعات» سكنية فاخرة!
ساهم في ذلك أيضًا.. طول مدة تسجيل الأراضي التي تمتد من 5 إلى 15 عاما، فضلا على تعقيدات عملية التسجيل نفسها.. والتي تمر بحوالي 8 إجراءات تستغرق- في أحسن الأحوال- 75 يومًا، ومن ثم لم تتجاوز نسبة الأراضي المسجلة 15% فقط، وهو ما وضع مصر في ذيل قائمة مؤشرات تسجيل الملكية، وهو مؤشر فرعي من مؤشرات تقارير ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي سنويا الذي احتلت فيه مصر المرتبة 128.
المشكلة الأكثر طرافة- طبقا للمهندس إبراهيم محلب- أن القانون المصري كان يساعد على ذلك.. أي يشجع واضعي اليد.. بحجة إثبات الجدية أولا.. ثم يتقدم للجهات المختصة لتوفيق أوضاعه.. سواء بالتمليك أو بحق الانتفاع.. أي تقنين أوضاع واضعي اليد على أراضي الدولة، وبعدها يتم تغيير النشاط أو الاستخدام!
أضف إلى ذلك التعدي على أراضي الآثار- بعد 25 يناير 2011- والمحميات الطبيعية، أو التعدي على أراضي حرم النيل أو حرم السكة الحديد.
وقد ضرب الرجل مثلا صارخا على ذلك التلاعب؛ وهو ما حدث في منطقة سهل الطينة بسيناء، حيث كان المستهدف زراعة 400 ألف فدان، وللأسف.. لم يتم زراعة سوى 50 ألف فقط، منها 20 ألف فدان تحولت إلى مزارع سمكية! مستخدمين المياه العذبة المخصصة لري تلك المساحات المخصصة للزراعة، وقد تم إنذارهم بالتحول إلى زراعة الأرز قبل يونيو المقبل.. وإلا اضطرت الدولة.. للتجفيف!
هذا ما حدث.. وأيا كانت الأسباب.. فلا يمكن بقاء الوضع على ما هو عليه.. فالأرض الفضاء هي إحدى ثروات أي مجتمع وأهم الأصول المستخدمة في أي أنشطة، ومن ثم بدأت الدولة مؤخرًا في وضع ما سمي المخطط الاستراتيجي القومي للتنمية العمرانية وحتى عام 2052، ثم أنشأت «المركز القومي لاستخدامات الأراضي»، وفي عام 2016 شكلت لجنة لاسترداد أراضي الدولة المستولى عليها بدون وجه حق برئاسة المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية.
وللحقيقة والإنصاف.. لقد نجحت اللجنة في استرداد ما قيمته 4 مليارات جنيه حتى الآن، وتعاملت بمبدأ حُسن النية مع واضعي اليد، لكنها استرددت حق الدولة فيما استولى عليه مع تقنين أوضاعهم طالما كان القانون يسمح بذلك، أما المخالفون منهم فقد انتزعت منهم الأراضي، أو أحيلوا إلى جهات التحقيق المختصة.
ومع ذلك ما زالت لدينا مشكلة في منظومة إدارة أراضي الدولة للاستخدامات المختلفة؛ وطبقا للدراسة القيّمة التي أعدتها د. سحر عبود المدرس بمعهد التخطيط القومي، فالمخطط القومي للتنمية العمرانية غير ملزم لجهات الولاية الأخرى على الأراضي الفضاء، كما أنه غير مربوط بخطط التنمية الاقتصادية.
أضف إلى ذلك.. أن رؤية 2030 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. غاب عنها ما يسمى بالبُعد المكاني، بمعنى أنها حددت الأهداف والطموحات المراد تحقيقها مع الإشارة إلى بعض الإجراءات، ولكنها لم تشر إلى أماكن التنفيذ!
وهل ممكن تصحيح هذا «السهو» في قانون التخطيط الموحد.. الذي ما زال مشروعًا تحت الدراسة؟
تكشف الدراسة المشار إليها والتي عرضت ونوقشت في ندوة المركز المصري للدراسات الاقتصادية بقيادة د. عبلة عبد اللطيف، أن المشروع لم يتضمن التخطيط لاستخدامات أراضي الدولة!
إذن لا بد من إعادة النظر في هذا المشروع، حتى يكون لدينا قانون تخطيط موحد متكامل يحدد كيفية الاستخدامات المختلفة لأراضي الدولة وجهات الولاية عليها والمختصة بالتصرفات القانونية الشفافة فيها.
فنحن مجتمع يعاني من زيادة سكانية مطردة، ولدينا نسبة فقر مرتفعة، بخلاف معدلات البطالة في المجتمع، وهي ما يستوجب وجود خطة طويلة الأمد للتنمية الاقتصادية الشاملة لجميع الأقاليم والمحافظات المصرية.. وبالطبع هذه الخطة سوف تعتمد على مشروعات استثمارية مختلفة.. سواء كانت زراعية أو صناعية، أو إسكان بدرجاته المتنوعة.. وبالطبع هذه المشروعات سوف تقام على الأراضي الفضاء الصالحة للاستخدام طبقا لنوع النشاط المزمع تنفيذه.
وقد يكون مفيدًا في ذلك للاستعانة بمشروع «العنونة البريدية» الذي أشار إليه المهندس إبراهيم محلب والذي يتضمن تقسيم الجمهورية إلى مربعات تصل في تدرجها إلى مساحة المتر المربع مع استخدام الأكواد البريدية.
ولو حدث ذلك سوف نحل جميع المشاكل المعلقة ومنها ما يسمى بمشكلة الأحوزة العمرانية للقرى، والمحافظات التي لا تتمتع بظهير صحراوي، فضلا على التوقف في الاعتداء على الأراضي الزراعية..
فالموضوع يحتاج لشوية إخلاص وجدية!