خطاب رئيس الهند للأمة عشية عيد جمهورية الهند – 2017

 

الإخوة المواطنون الأعزاء ،

1- ونحن في عشية العيد الثامن والستين لإعلان جمهورية الهند، أود أن أعرب عن خالص تحياتي لكافة أبناء الهند داخل البلاد و خارجها. كما أود أن أتقدم بتحية خاصة لأفراد قواتنا المسلحة و القوات شبه العسكرية و قوات الأمن الداخلي. و أود كذلك أن أتقدم بتحية تقدير و إجلال لجنودنا البواسل ورجال الأمن، الذين يضحون بأرواحهم دفاعاً عن وحدة أراضي الهند و إعلاءً لسيادة القانون والحفاظ على النظام.

الإخوة والأخوات،

2- عندما حصلت الهند على حريتها في يوم 15 أغسطس 1947، لم يكن لدينا وثيقة خاصة بنا تحدد إطار الحكم. وانتظرنا حتى يوم السادس و العشرين من يناير 1950 الذي استطاع فيه أبناء الشعب الهندي أن يضعوا لأنفسهم دستوراً يحمي كافة المواطنين والعدالة والحرية والمساواة وكذلك المساواة بين الجنسين والعدالة الاقتصادية. وتعهدنا بالعمل على إعلاء قيم الأخوة وكرامة الفرد والوحدة ووحدة أراضي الأمة الهندية.

وأصبحت الهند في ذلك اليوم أكبر ديمقراطية في العالم.

3- إن إيمان والتزام أبناء الشعب هو الأمر الذي وهب الحياة لذلك الدستور، ومن ثم استطاع الأبناء المؤسسون لبلادنا أن يقوموا بإدارة البلاد في ثوبها الجديد على نحو اتسم بالحكمة والحيطة مما مكنها أن تتجاوز و تتغلب على مشكلاتها التي كانت تتمثل في وجود اقتصاد فقير في ظل عدم توازن إقليمي ضخم و وجود عدد هائل من السكان محرومين من حتى الاحتياجات الأساسية.

4- ويرجع الفضل للمؤسسات الديمقراطية القوية التي بناها آبائنا المؤسسين لدولة الهند في أن استطاعت الديمقراطية الهندية أن تظل على مدى ستة عقود ونصف العقد من الزمان يٌنظر إليها باعتبارها واحة من الاستقرار في منطقة تموج بالاضطرابات. و كان عدد سكان الهند في عام 1951 قرابة 360 مليون نسمة وارتفع اليوم لتصبح الهند اليوم دولة قوية بتعداد سكان سجل 1.3 مليار نسمة. وعلى الرغم من تلك الزيادة السكانية، إلا أن معدل دخل الفرد في الهند شهد زيادة قدرها عشرة أضعاف، وانخفض معدل لفقر بنسبة الثُلثين، وزاد متوسط عمر الفرد إلى أكثر من الضعف، وارتفعت معدلات محو الأمية بنسبة أربعة أضعاف. وأصبح الاقتصاد الهندي اليوم الأسرع نموا بين الاقتصادات الكبرى في العالم. وتأتي الهند في المركز الثاني كأكبر بلد تمتلك عدد هائل من القوى البشرية العلمية والتقنية، وفي المركز الثالث على قائمة أكبر جيوش العالم، وهي العضو السادس في النادي النووي، وهي العضو السادس كذلك في السباق في مجال الفضاء،و في المركز العاشر كأكبر قوة صناعية. وتحولت الهند من دولة تستورد الحبوب الغذائية بصورة كاملة إلى دولة من كبرى الدول المصدرة للسلع الغذائية. إن رحلة الهند كدولة رحلة حافلة بالأحداث،  التي كانت بعضها مؤلمة ، ولكن معظمها مصدر للبهجة والسعادة.

5- إن المقومات التي مكنت الهند من أن تصل إلى ما وصلت إليه حاليا هي نفسها التي سوف تساعدها على المضي قدما في مسيرتها.ولكن، يجب علينا أن نتعلم كيف نقوم بصورة سريعة و دقيقة بضبط أشرعة سفينة دولتنا وفقا لتغير اتجاهات الرياح كي نصل إلى بر الأمان. ويجب أن تكون مسيرة التقدم والنمو قادرة على استيعاب التطورات السريعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا. ومن ثم، يجب أن يصبح الابتكار، أو بمعنى آخر الابتكار الشامل في كافة المناحي، هو أسلوب الحياة في بلادنا. وسوف يكون على قطاع التعليم مواكبة التطور في التكنولوجيا. وفي ظل تركيبة السباق المحموم بين الإنسان والآلة، يجب أن يكمن الفوز في السباق في كيفية العمل على خلق فرص العمل. إن السرعة الكبيرة في الاعتماد على التكنولوجيا يتطلب قوى عاملة على استعداد للتعلم والتكيف مع المتطلبات الجديدة. ويجب أن يكون هناك تكامل بين نظام التعليم والابتكار في الهند من أجل إعداد شباب قادر على الاستيعاب والتعلم بصورة دائمة.

الإخوة المواطنون:

6- يتسم أداء الاقتصاد الهندي بالأداء الجيد، على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة. ففي النصف الأول من عام 2016-2017، سجل الاقتصاد الهندي معدل نمو قدره 7.2% (نفس النسبة في العام الماضي)،مما يدل على الاستدامة في عملية الانتعاشة الاقتصادية. إننا نسير بصورة قوية على طريق الاندماج المالي، ويقع مستوى التضخم في الهند في منطقة لا تدعو للقلق. وعلى الرغم من صادراتنا لا تزال في سبيلها للزيادة، إلا أننا نجحنا في امتلاك قطاع مالي خارجي مستقر يتمتع باحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي.

  1. وعلى الرغم من أن عملية تغيير بعض أوراق العملات النقدية الهندية استهدف محاربة الأموال السوداء ومحاربة الفساد، فقد أدت إلى تباطؤ مؤقت في النشاط الاقتصادي.إن إلغاء التعامل بالنقد شيئاً فشيئاً يؤدي إلى تحسين الشفافية في الاقتصاد.

الأخوة والأخوات:

8- لقد شهدت الهند بعد استقلالها ميلاد ثلاثة أجيال من المواطنين، ولم تتحمل تلك الأجيال أعباء الماضي الاستعماري، بل وتمتعت بمزايا الحصول على التعليم وتوافر الفرص فسعت لتحقيق أحلامها في أمة حرة، مما يجعلها أحياناً لا تقدر الحرية حق قدرها فتنسى الثمن الذي دفعه رجال ونساء رائعون من أجل الحصول على الحرية، وتنسى أن شجرة الحرية تحتاج إلى رعاية وتغذية مستمرة. لقد منحت الديمقراطية حقوقاً لكل شخص منا. ولكن مع هذه الحقوق، تأتي الواجبات التي يجب الاضطلاع بها. قال غاندي: “إن أعلى شكل من أشكال الحرية يحمل في طياته أعظم قدر من الالتزام والخضوع. إن الحرية التي تقوم على الالتزام والخضوع لا يمكن إنكارها، أما الحرية غير المنضبطة فهي علامة على الفظاظة التي تؤذي النفس والغير على حد سواء”.

الأخوة المواطنون:

9- الشباب اليوم مفعمون بالأمل والطموح. فهم يسعون بإخلاص إلى تحقيق أهدافهم في الحياة، تلك الأهداف التي يعتقدون أنها تحقق لهم الشهرة والنجاح والسعادة. إنهم ينظرون إلى السعادة باعتبارها الغاية من وجودهم في الحياة، وهو أمر يمكن تفهمه بالطبع. فهم يسعون في إثر السعادة من خلال المشاعر المتقلبة التي تنتابهم يومياً ومن خلال تحقيق الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم. وهم يبحثون عن فرصة عمل وفي نفس الوقت عن هدف في الحياة. إن ندرة الفرص تولد مشاعر الإحباط والتعاسة التي تظهر في حالات الغضب والقلق والتوتر وانحراف السلوك، وهو أمر يجب معالجته عن طريق غرس السلوكيات الاجتماعية الإيجابية من خلال توفير فرص عمل بأجر مجزي والانخراط الفاعل في المجتمع والتوجيه الأبوي وإبداء التعاطف والتفهم من جانب المجتمع.

الأخوة والأخوات:

10- إن واحداً ممن سبقوني ترك على مكتبي إطاراً فيه الكلمات التالية: “إن هدف الحكومة في وقت السلم وفي وقت الحرب ليس تحقيق المجد للحكام أو الأجناس، ولكن تحقيق السعادة للمواطن العادي.” السعادة محور أساسي في الخبرة الحياتية للإنسان. وهي نتاج عوامل اقتصادية وغير اقتصادية على حد سواء. ويرتبط السعي لتحقيق السعادة بشكل وثيق بالتنمية المستدامة التي تجمع ما بين رفاه الإنسان والاحتواء الاجتماعي والاستدامة البيئية. علينا أن نجعل من سعادة ورفاه شعبنا معياراً للسياسة العامة.

11- إن الكثير من المبادرات الرائدة للحكومة قد تم تصميمها بحيث تؤدي إلى الارتقاء برفاه المجتمع. تهدف مبادرة “سواش بهارات” إلى تنظيف الهند بحلول الثاني من أكتوبر 2019، وهو ما يوافق الذكرى المائة والخمسون لميلاد غاندي. إن الإنفاق بسخاء على برامج مثل “برنامج المهاتما غاندي القومي لتشغيل الريف” يعمل على توفير فرص العمل من أجل إنعاش اقتصاد المناطق الريفية. كما يساعد مشروع “أدهار”، الذي يغطي حالياً أكثر من 1.1 مليار نسمة، في توصيل المزايا المختلفة للمواطنين وسد الثغرات وتحسين الشفافية. أما مشروع “الهند الرقمية” فيعمل على خلق اقتصاد يقوم على المعرفة من خلال توفير البنية التحتية الرقمية ومنصات للتعاملات الاقتصادية غير النقدية. كما تعمل مبادرات مثل مبادرة “المشروعات الهندية الناشئة” ومبادرة “ابتكار آتال” على تشجيع الابتكار والمشروعات الرائدة في العصر الحديث. وفي إطار “مبادرة الهند لتنمية المهارات”، يستهدف البرنامج القومي لتنمية المهارات تدريب 300 مليون شاب بحلول عام 2022.

الأخوة والأخوات:

12- إنني متيقن من أن التعددية في الهند وتنوعها الاجتماعي والثقافي واللغوي والديني هي أعظم نقاط قوتنا. لطالما احتفت تقاليدنا دائماً بالمواطن الهندي “المختلف” وليس المواطن “غير المتسامح”. فعلى مدى قرون طويلة، تنافست الآراء والأفكار والفلسفات المختلفة مع بعضها البعض في بلادنا. إن وجود عقل حكيم فطن هو أمر ضروري لازدهار الديمقراطية. وفضلاً عن تناغم الأفكار، تدعو الديمقراطية السليمة إلى الالتزام بقيم التسامح والحلم واحترام الآخر.يجب أن تترسخ تلك القيم في قلوب وعقول كل الهنود، وتغرس فيهم روح الفهم والمسؤولية

الأخوة المواطنون

13- إننا نتمتع بديمقراطية صاخبة. إلا أننا نريد المزيد من تلك الديمقراطية ولا نريد التقليل منها. وتظهر قوة ديمقراطيتنا في أن أكثر من 66% من جمهور الناخبين الذين يبلغ عددهم 834 مليون ناخب قاموا بالتصويت في الانتخابات العامة لسنة 2014. وقد تألق عمق واتساع ديمقراطيتنا في الانتخابات العادية التي جرت في مؤسسات المجالس المحلية. ومع ذلك فإن هيئاتنا التشريعية تضيع جلساتها في أمور مضطربة بدلا من مناقشة القضايا الهامة. ويجب بذل جهود جماعية بغية العودة للتركيز على المناقشات واتخاذ القرارات.

14- وبينما تخطو ديمقراطيتنا خطواتها إلى عامها الثامن والستين يجب علينا أن نعترف بأن أنظمتنا ليست كاملة. ولابد من الاعتراف بأوجه القصور وتصحيحها. ولابد من نغير الشعور بالرضا بما هو كائن. ولابد من تقوية صرح الثقة. وقد حان الوقت أيضا إلى العودة إلى ما كنا نمارسه في العقود الأولى بعد الاستقلال عندما كانت انتخابات مجلس الشعب ومجالس الولايات تتم في نفس الوقت. وعلى لجنة الانتخابات أن تقوم بنظر إتباع هذه الممارسة بالتشاور مع الأحزاب السياسية.

الإخوة المواطنون

15- في هذا العالم الذي يسوده التنافس العنيف، علينا أن نعمل بجد أكثر من ذي قبل حتى يتثنى لنا الوفاء بالوعود التي قد قطعناها لشعوبنا.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لأن حربنا على الفقر لم تنته بعد. وينبغي لاقتصادنا أن ينمو بمعدل أكثر من 10% لفترة طويلة من الزمن حتى نستطيع أن نقهر الفقر. ولا يزال خُمس أبناء شعبنا يعيشون تحت خط الفقر. إن مهمة غاندي التي كانت تتمثل في مسح كل دمعة من الأحداق لم تتحقق بعد.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لتوفير الأمن الغذائي لشعبنا، ولجعل القطاع الزراعي أكثر قدرة على الصمود أمام تقلبات الطبيعة. وينبغي علينا توفير وسائل راحة وفرص أفضل لأبناء شعبنا في القرى لنضمن لهم حياة ذات جودة لائقة.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لتوفير المزيد من فرص العمل إلى شبابنا من خلال إنشاء قطاعات تصنيع وخدمات ذات مستوى عالمي. ويجب تحسين تنافسية الصناعة المحلية من خلال التركيز على الجودة والإنتاجية والكفاءة.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لتوفير الأمن والسلامة لنسائنا وأطفالنا. ويجب أن تتمكن النساء من العيش بشرف وكرامة. وينبغي أن يتمكن الأطفال من التمتع بطفولتهم إلى أقصى درجة ممكنة.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لتغيير نمط الاستهلاك الذي نجم عنه تدهور بيئي وإيكولوجي. ويجب أن نسترضي الطبيعة حتى لا تصب جام غضبها علينا في صورة فيضانات وانهيارات أرضية وحالات جفاف.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لأن ثقافتنا التي تقوم على أساس التعددية والتسامح لازالت تمتحن من قبل أصحاب المصالح الخاصة. ويجب أن يكون العقل والاعتدال هما نبراسنا في التعامل مع تلك المواقف.

– علينا أن نعمل بجد أكثر حتى ندحر قوى الإرهاب الظلامية. ويجب التعامل مع تلك القوى بشدة وحزم. فلا يمكن السماح لتلك القوى التي تعادي مصالحنا أن تزدهر.

– علينا أن نعمل بجد أكثر لضمان رفاهية وأمن جنودنا الذين يحموننا من المخاطر الخارجية والداخلية

و

– علينا أن نعمل بجد أكثر

لأننا متساوون جميعا أمام وطننا الأم الذي ينشد من كل منا أن يقوم بدوره بنزاهة والتزام وإخلاص لا يتزعزع وفقا للقيم المنصوص في دستورنا.

 

تحيا الهند