حتمية تجديد الخطاب الدينى

حتمية تجديد الخطاب الدينى

المستشار . البيومى محمد البيومى

التجديد فى الدين بعبارة مبسطة يعنى إعادة الناس إلى صحيح الدين وحقائقه والالتزام بشرعه تعالى وتعاليمه. وهو فى النهاية يعنى التركيز على ثوابت الدين وقيمه خاصة (قبول الآخر) والتواصل مع خلق الله تعالي، والتعاون مع عباده، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وعون المحتاج وهو أيضا مراعاة الأولويات بحسب ظروف الزمان والمكان ليزرع فى النفوس الأمل والهمة ويجدد حياة المسلم، ليجعل لها بحكم الإسلام معنى ورسالة، وهو بهذا المعنى ليس مجرد ظاهرة موسمية أو مطلب شرعى وإنما هو ضرورة حياتية مستمرة. وهو فى الخلاصة اجتهاد وجهاد متواصل من أجل إقامة العدل ورفع الظلم، ومن أجل عزة وكرامة الإنسان المؤمن. وتزداد حتمية هذا التجديد كون الإسلام ـ باعتباره خاتم الأديان ـ له رسالة عالمية موجهة إلى البشر كافة، بالاضافة إلى واقع اليوم ممثلا فى ثورتى الاتصالات والمعلومات مما غير وجه العالم وجعله أقرب ما يكون إلى (قرية واحدة). وما صاحب ذلك من تعقد مشكلات العصر وتعدد التحديات التى تواجه الإسلام مما يستلزم تجديدا فى أسلوب ونوعية الخطاب الديني.

 

وسائل تجديد الخطاب الدينى نجدها متعددة ومتنوعة تتمثل فى المقررات والمناهج الدينية ووسائل الإعلام المختلفة وغيرها، مما يشكل مناخ ووعى المجتمع، ويقود ويرشد الخطاب الدينى فى المؤسسات الدينية لكل دولة. ولعل من أهم وسائل تجديد الخطاب الدينى أئمة المساجد والذين يجب أن توفر الدولة لهم كل الأسباب المادية والمعنوية لتمكينهم من أداء رسالتهم على أكمل وجه والتواصل معهم فى خطاب دينى متجدد قادر على التعامل مع تحديات العصر وقضاياه المتشابكة. إن الخطاب الإسلامى المعاصر والموجه إلى جموع المسلمين مازال قاصرا، كما أن الخطاب الموجه إلى غير المسلمين يكاد يكون منتقيا، إذ إننا فى حاجة إلى خطاب دينى رشيد يخاصم كل أشكال الغلو والتطرف ويلتقى مع منهج الإسلام فى الاعتدال والوسطية التى حددها الإسلام وجعلها عنوانا للأمة الإسلامية بقوله تعالى : «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس». إننا فى حاجة إلى خطاب دينى ينشر قيم التسامح ويعلى من قيم العمل، ويركز على قيم التقدم، ويدعو إلى التكافل والعدالة الاجتماعية والإنفاق فى سبيل الله، ويتصدى للأصوات التى تزعم احتكار الدين أو تثير الفتنة الطائفية أو تكفر من لا يتبعها أو تنسب إلى الإسلام ما ليس فيه كالجماعات المتطرفة الموجودة الآن، وأساسها جماعة الإخوان الإرهابية وما تفرع عنها من النصرة وداعش الإجرامية وغيرهما، إذ ينتسبون إلى بعض أجهزة المخابرات العالمية.إننا فى حاجة إلى خطاب دينى يستنهض الأمة الإسلامية ويفجر طاقاتها فيما ينفعها ويعينها على حركة الحياة. وهو خطاب يدعو إلى الاستقامة والشورى وقبول الآخر والتعاون معه.

 

إنه خطاب يدعو إلى حوار الأديان ويركز على المشترك بينهما ويتجاوز ثقافة القول إلى ثقافة الفعل والإنجاز، ويدعو إلى إقامة دولة العدل التى يختفى فيها الظلم والعنصرية. إننا فى حاجة إلى خطاب دينى يدرك جيداً أن غاية العبادات هى التقوى وحسن الأخلاق والمعاملة، نريد خطابا يغرس فى قلوب العامة أن الطريق إلى الله ليس فحسب مجرد صلاة وصيام، وإنما هو العمل الصالح وفعل الخيرات ومساعدة كل محتاج أو محروم، نريد خطابا يعمق فى النفوس أن التقدم والتنمية ليس مجرد إمكانات، وإنما هو فى الدرجة الأولى إرادة ورغبة ملحة فى التقدم والرقي.

 

وخلاصة القول: إنه لا سبيل لاستعادة هيبة الإسلام ورد اعتباره إلا بالقضاء على التخلف الحضارى الثابت فى حق العالم الإسلامي، ممثلا فى الثالوث الخطير (الفقر والجهل والمرض)، إن أكبر ما يواجه الإسلام من تحديات العصر هم المسلمون أنفسهم، إنهم نماذج مجسدة له، فهؤلاء لا يعيشون فى مستواه وبالتالى فهم لا يعبرون عنه، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وإننا لن نستطيع أن نصنع حضارة للعالم مستندة إلى تعاليم الإسلام إلا إذا وضعنا تلك الحضارة موضع التطبيق، وهذا يكون بالفعل لا بالقول، إن الإسلام ليس مجرد اعتقاد وتصور أنه نظام حياة ونهج وسلوك.

 

ونقطة البداية للخروج بأغلبيتنا العاجزة المطحونة من ضياعها وسلبيتها لا يكون إلا بكسر الحلقة المفرغة التى تدور فيها ليس بتوعيتها فقط ولا بمحو أميتها الأبجدية وإنما أساس أميتها العقيدية وأميتها الوظيفية، وهذه هى مهمة الخطاب الدينى الإسلامى اليوم، فوعى الشعوب الإسلامية عقائديا وسلوكيا هو أساس نموها وهو شرط حريتها وسعادتها وذلك منذ الأزل وحتى اليوم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ومن هنا قال الإمام المجدد المرحوم الشيخ محمد عبده (إن الإسلام محجوب بأهله الذين لم يقوموا به) وقوله (الدين فى الإسلام علم والعلم فى الإسلام دين).الاهرام