عبدالهادى علام: وماذا بعد..؟ حوار مع الأشقاء الفلسطينيين

لم تتردد مصر أن تقيم حوارا من نوع خاص مع الأشقاء الفلسطينيين، إلى جانب الحوار مع القيادات الفلسطينية، بغرض توحيد الرؤى والأفكار عن كيفية إنقاذ ملف قضية العرب الأولى من التشرذم والبعثرة بعد أن تداخلت أولوية القضية مع مشكلات وتعقيدات كثيرة تعج بها الساحة العربية.

 

الدول الكبيرة فى محيط إقليمها تتحمل مسئوليات أكبر من غيرها، والدول المحورية يلقى على عاتقها الكثير من المهمات فى أزمنة الخطر.. وفى وقت ينشغل الكل فى الشرق الأوسط بالصراعات المسلحة التى باتت تهدد مصائر شعوب،

 

من واقع مسئولية تاريخية، استقبلت مصر وفودا وسطية من مختلف الفصائل الفلسطينية ومن مؤسسات وتيارات تمثل السياسة والدبلوماسية والإعلام والثقافة والمؤسسات الدينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة على مدى الشهور القليلة الماضية، وآخر تلك الندوات عقدت فى منطقة «العين السخنة» تحت عنوان «تجديد الخطاب الدينى لدعم القضية الفلسطينية»، واستمرت لمدة ثلاثة أيام بحضور لافت من شخصيات مصرية بارزة من المؤسسة الدينية ومفكرين سياسيين كبار.

 

وقد لمست فى أوساط الشباب الفلسطيني، فى نقاشات على هامش الندوة الرئيسية بالعين السخنة، رغبة صادقة ووعيا حقيقيا بأبعاد ما يجرى للقضية الفلسطينية فى تلك الأجواء الإقليمية الصعبة ويرون أن الأوضاع العربية تحتاج إلى تحلى الشعب الفلسطينى فى الداخل بحكمة أكبر من أجل تفويت الفرصة على من يريدون دفن القضية تماماً بعد أن قدمت لهم الفوضى الإقليمية العارمة فرصة لا يمكن تفويتها للإجهاز على حقوق الأشقاء فى فلسطين. وأستعير من مسئول مصري، فى تقديمه للندوة، قوله إن المتغيرات التى تحدث فى العالم توجب على الشعوب العربية بشكل عام، والشعبين المصرى والفلسطينى خاصة ضرورة التوحد أمام تلك المتغيرات وأهمها اختزال الإرهاب وربطه بالإسلام. وأردف قائلا: إن نظرية المؤامرة على الشعوب العربية موجودة وتم تطويرها، لذا يجب علينا نحن كشعوب عربية أن نعمل على تطوير أنفسنا وأن نقوم بالتفكير ودراسة الوضع الحالى من أجل النهوض ومواجهة الأخطار المحدقة بالعالم العربي.

 

بدوري، تطرقت فى مداخلات مع الشباب الفلسطينى المشارك إلى عمق الارتباط بين الشعب المصرى والقضية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى وأن الهدف من لقاءات التقارب هو تحريك القضية الفلسطينية إلى الأمام باعتبارها قضية أمن قومى عربى ولمواجهة ما حدث من تراجع نسبى فى السنوات الأخيرة وقلت إن مصر تثمن طوال الوقت دور الفلسطينيين أنفسهم و«أن المفصل الفاعل والمحرك فى الشخصية الفلسطينية هو الشباب الفلسطينى المؤمن بحقه فى الحياة والوطن والكرامة» بأدوات عصرية تتناسب وحركة الحضارة الإنسانية التى قطعت اشواطا واسعة فى العلوم التكنولوجية والعلوم الإنسانية. ومن وجهة نظري، يتمثل دور الاشقاء اليوم فى دفع القضية الى محاور الإهتمام الدولى ومساعدة الشباب الفلسطينى على النهوض بقضيتهم والعمل على طريق التحرر بأدوات عصرية فاعلة ومعايير أخلاقية ندفع فيها معانى الحق لإنسان يعانى من آخر احتلال على وجه الأرض ويعانى من سطوة قوة مدججة بأحدث وسائل القتال العالمية وهو أعزل اليدين لا يملك غير أنه صاحب حق إُنتزع منه.

 

أهم ما حمله اللقاء مع الشباب الفلسطينى من قسمات واضحة هو صورة جيل جديد واعد شباب وطنى محب لفلسطين ويريد حلا ويريد مستقبلا وينبذ العنف ويريد السلام وينشد قيام الدولة. شباب يريد أن يتكلم.. ويريد من يستمع إليهم.. شباب يتكلم أكثر مما يستمع وهذا له دلالة أنهم يتوقون إلى من يسمعهم. نقد هؤلاء الشباب للتيارات الفلسطينية، وحتى لأنظمة عربية، يتسم بالاحترام والاتزان وهو نقد مشروع ومقبول وفى إطار نقد المحبين وليس بغرض الهجوم على أحد رغم الظروف الصعبة التى يعيشون فيها فى القطاع وفى الضفة الغربية. كما جاءت سعادتهم أكبر لأنهم فى مصر وهناك من يستمع إليهم ويناقشهم. وحتى عندما عرضوا موضوع فتح المعابر مع مصر لأسباب إنسانية، وطرحنا عليهم ما نعانيه من بعد فتح المعبر من عمليات إرهابية «دخول عناصر إرهابية ثم العودة للقطاع وتوفير البعض لهم فى غزة ملاذات آمنة» تفهموا ذلك وأكدوا أن أمن مصر من أمنهم. الرسالة الواضحة من المصريين إليهم «نريدكم فى أحسن حال لأن فى ذلك أمننا واستقرارنا.. عندما تكونوا أفضل سنكون نحن فى مصر أفضل». وعندما اشتكى الشباب من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية فى الإعلام المصرى عموما.. قلنا لهم.. وماذا تصدر القيادات الفلسطينية حتى نهتم به.. لا تصدر سوى أخبار انقسامات وانشقاقات وصراعات شخصية وصراعات نفوذ.. فهل هناك خطوات من أجل وحدة الصف بين الفصائل وداخل الفصيل الواحد؟!

 

تواصل مصر مع الشعب الفلسطينى لا يحتاج إلى تأكيد ولا تبرير..

 

غير أن هناك ما يجب شرحه فيما يخص هدف مصر من تلك التحركات..

 

فى المقام الأول، تبغى مصر «لملمة» الشارع الفلسطينى فى الضفة الغربية وقطاع غزة على أهداف واحدة

 

تلك اللقاءات تكتسب أهمية خاصة فى ضوء وجود إدارة أمريكية جديدة. نحن نريد التواصل مع إدارة دونالد ترامب من أجل تحريك القضية الفلسطينية وعملية السلام، فى وقت تتهم إسرائيل الفلسطينيين بممارسة الإرهاب، ولا نريد أن ينعكس ذلك على الشعب الفلسطيني.

 

هناك ضرورة بأن تتسم الإدارة الفلسطينية للملف، من جانب السلطة والفصائل، بالحكمة ولابد أن تؤكد رفضها الإرهاب والتطرف والعنف وتقبل بالآخر فى إطار سلام عادل.

 

لابد من التأكيد على أن الشعب الفلسطينى خاصة الجيل الثانى والشباب يتطلع إلى السلام والعيش الكريم وتحرير أرضه وإقامة دولته. والرسالة يجب أن تكون: «نحن معتدلون، ونرفض الإرهاب».

 

مصر مستعدة بتاريخها فى دعم القضية إلى مساندة هذا التوجه خاصة فى هذه الظروف التى تسببت فى ظهور أجنحة داعشية ومتطرفة على يسار حماس تزايد عليها؟!! فهل حركة حماس لم تكن على وعى بذلك؟!!