يحيى الجمل بين الحلم والسلطان  

بقلم ـ فاروق جويدة

في الشهور الأخيرة غاب الدكتور يحيى الجمل عن الساحة .. كنت دائما تراه في كل المناسبات محاوراً ومبدعا ومشاركا .. ولكن المرض جعله ينسحب في هدوء في بيته بعد إن هدأ كل شئ حوله إلا زيارات الأطباء ..

 

كان الدكتور يحيى طاقة متجددة في الفكر والسلوك وخاض في حياته تجارب كثيرة ما بين السلطة والقرار والأضواء والمحاكم والقضايا والأحكام، بدأ مشواره الطويل في النيابة ثم التحق بالجامعة مدرسا وأستاذا حتى أصبح عميدا لكلية الحقوق جامعة القاهرة والذى خرج منها جثمانه ساعة الرحيل .. عرفت الدكتور يحيى الجمل في كلية الآداب جامعة القاهرة وكان أستاذا لنا وامتدت علاقتنا سنوات طويلة وكان دائم السؤال عن أصدقاء المشوار الطويل .. كان محاميا بارعا وفقيها دستوريا من طراز رفيع ومارس العمل السياسى في كل مراحله طوال ستين عاما واختلف مع أكثر من حكومة وعمل في أكثر من منصب كان آخرها نائبا لرئيس الوزراء في وزارتي احمد شفيق وعصام شرف .. خاض الدكتور الجمل معارك كثيرة مدافعا عن الحريات والدستور وكرامة المصريين وكان يتصور أنه قادر على ان يحقق بعض أحلامه وهو قريب من سلطة القرار ولهذا اختار أن يكون وزيرا أكثر من مرة ولكنه كان يكتشف دائما بعد ان يرحل عن المنصب ان السلطة شئ والأحلام شئآخر.. خاض معركة ضارية إمام التعديلات الدستورية التى سبقت ثورة يناير وهاجم بعنف برلمان 2010 وكان ضد قضية التوريث ولم يتردد ان يعلن رأيه فيها بكل الصراحة وهاجم حكم الإخوان وكان يرى ان وصولهم للسلطة كان اكبر كارثة في تاريخ مصر الحديث .. وفى مذكراته التى حكى فيها اجزاء من مشواره الطويل اقترب كثيرا من هموم مصر وشعبها وظل حتى آخر لحظات حياته وهو يحلم بمستقبل اكثر حرية ورخاء وكرامة .. ومع رحيل الدكتور يحيى الجمل يفقد محبوه وأنا واحد منهم صديقا وعالما وفقيها ظل حياته يقدر ويحترم إرادة الشعب صاحب السلطة والقرار .. كان الدكتور يحيى الجمل رمزا عزيزا من رموز مصر في الزمن الجميل. صحيفة الاهرام