مرسى عطا الله :سرطان الصحافة!  

أعترف بأننى أشعر بانزعاج غير مصحوب بالدهشة من تراجع أرقام التوزيع لغالبية الصحف المصرية فى السنوات الأخيرة وإذا كان الانزعاج ينطلق من شعور بالقلق على مستقبل المهنة فإن عدم الدهشة ربما يعود فى نظر البعض لغياب عناصر الجذب والإبهار التى تمكن الصحافة المكتوبة من مجاراة وآليات عصر العولمة الإعلامية التى لم تعد قصرا على فضائيات تقتحم على الناس منازلهم وإنما أضيف إليها آليات محمولة فى اليد.

 

ورغم كل هذه المستجدات التى قد يرى البعض أنها فرضت مناخا تنافسيا غير متكافئ فإننى أعتقد أن العامل الأهم فى تزايد العزوف عن قراءة الصحف يرجع إلى غياب التقاليد الصحفية العريقة التى أسهمت فى ازدهار هذه المهنة على أرض مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى بدايات القرن الحالى.

 

أتحدث مثلا عن غياب الالتزام الصارم بقاعدة أساسية جرى تلقيننا بها فى الأهرام منذ أن نلنا شرف الالتحاق به مطلع الستينيات من القرن الماضى ومفادها أنه مهما اتسعت مساحة الحرية فإن أخلاقيات المهنة تفرض ضرورة التزام حملة الأقلام بالاحترام الكامل للمجتمع وكل مكوناته انطلاقا من أن الصحافة رسالة قبل أن تكون أى شيء آخر ومن ثم يتحتم الامتناع عن السب والقذف أو التحريض على العنف والكراهية.

 

وأتحدث أيضا عن غياب الفهم الصحيح لدور الصحافة فى أن تكون جسرا للحوار والتواصل وليس ساحة للعراك والتنابذ تحت راية أساسية اسمها القضايا المعيشية للمواطنين والتى تتطلب نشر أجواء الاستقرار ومحاصرة مظاهر التخلف.

 

أتحدث عن سرطان خبيث أصاب صحافة اليوم وأدى إلى شيوع جرائم تزييف الواقع واغتيال الحقيقة وتحريف المعانى ودون مراعاة للحس الوطنى الذى يستوجب رؤية دقيقة أساسها أن الخبر والرأى والمعلومة مصلحة اجتماعية وسياسية قبل أن تكون سلعة تجارية تستهدف الربح والرواج. صحيفة الاهرام