شوقي علام: قبل رحلة الحج المباركة

الحج شعيرة الإسلام الكبرى وركنه الأعظم الذى تتطلع إليه بتلهف وتشوق أفئدة المؤمنين على اختلاف الأنساب وتعدد الألوان وتنوع الأجناس وكثرة الأوطان. وهو امتثال لأمر الله تعالى الذى أذَّن به الخليل إبراهيم عليه السلام فى الناس، قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]، ثم جدده خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم بقوله الشريف: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا». إن الحج فرصة عظيمة لا تتكرر كثيرًا فى حياة المؤمن، ومن ثَمَّ فهناك آداب مرعية ينبغى أن يتحلى بها من أرادهم الله تعالى واختارهم لتلبية هذا النداء قبل السفر إلى الرحاب المقدسة، والتى تجعل الحاج الذى تحلى بها على استعداد تام للقيام بمناسك هذه الشعيرة الكبرى على وجه يجعله حين يرجع يعود كيوم ولدته أمه.

أولى هذه الآداب تتجلى فى وجوب معرفة ما تشتمل عليه هذه العبادة الجليلة من الأحكامِ والقضايا والمسائل والحكم والمعانى والمعالم وخطوط السير، ولو على سبيل الإجمال، حتى يقبل من الحاج سعيه واجتهاده، وذلك مرهون بأن يكونَ أداء المناسك وفق أحكام الشرع الشريف ومقرراته، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ». وعليه أن يخلص القصد والنية لله لا للرياء أو السمعة أو عرض الدنيا الزائل، فإن العبادات لا يجوز أن يقصد بها الدنيا، وأن يلاحظ أيضا نعمة الله تعالى ومنته عليه بأن اختاره من بين ملايين الناس ليكون فى وفده وضيافته، فبشرى للحجاج ثم بشرى لهم على ما يشهدون من ثمرات ومنافع لهذه العبادة الجليلة من السعادة وغفران الذنوب وهدم السيئات وتحصيل جزيل الثواب وعظيم الأجر وإجابة الدعوات ونيل الرغبات.

 

هذه المعانى السامية تستوجب على الحاج المبادرة إلى تجديد العهد مع ربه تعالى بالتوبة النصوح، التى تحصل بالإقلاع عن جميع الذنوب وترك مقدماتها والبعد عن أسبابها مع الندم على ما قد مضى منها والعزم على عدم الرجوع إلى شيء منها. وأن يقوم الحاج بتوفير نفقته المالية التى يستغنى بها عن سؤال الناس حتى رجوعه إلى وطنه، كذلك يجب عليه أن يُؤدِّى ما عليه من ديون ومستحقات للآخرين، فلا يسافر قبل أن يقضى كافة الحقوق المالية وغيرها التى عليه لغيره ويرد الودائع والأمانات لأهلها، فإن الدين مانع لوجوب الحج إلا أن يستأذن صاحب الدين مع الوصية لأهله بقضائه. وعليه كذلك أن يرضى والديه ومن يجب عليه بره وطاعته، وأن يترك لأهله ومن تلزمه نفقتهم ما يكفيهم إلى أن يرجع.

 

وأن ينفق على حجه من كسبه الحلال ليكون أبلغ فى استجابة دعائه وأن يكون ذنبه مغفورًا وحجه مبرورا، فإن حج بمال حرام صحَّ حجه فى ظاهر الحكم لكنه ليس حجا مبرورا. ورحلة الحج رحلة تعبدية تستلزم أكثر أعمالها مجهودًا بدنيًّا كبيرًا، وهو يسير على الحاج إذا هيأ نفسه باهتمامه بصحته ومراجعة الطبيب واتِّباع الإرشادات الطبية وأخذ التطعيمات والأدوية الضرورية، مما يقى الحاج من الأمراض المعدية والأدواء الخطرة. وليعلم الحاج أن الحجاج ضيوف الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم»، ومن ثمَّ يجب على الحاج تهيئة نفسه للتحلى بكل ما يجب على الضيف القيام به عند مضيفه، ولا يتأذى من الأجواء فإنه يحصل فيها زحام ومشقة أو تدافع أو يرى معاملة غليظة، فيقابل ذلك كله بالإحسان والصبر والتحلى بالأخلاق الحميدة حتى لا تضيع عليه ثمرة جهده وسعيه، فعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». حفظ الله حجاج بيته وتقبل منا ومنهم صالح الأعمال وأفاض علينا وعليهم جزيل البركات.