فاروق جويدة: رحل يورى 

كتب العقاد قصيدة جميلة فى رثاء كلبه بيجو..وكتب أبو نواس قبله بعشرات السنين رثاء فى نفس الموضوع..ويخطئ الإنسان اذا تصور ان الكون خلق له وحده هناك كائنات كثيرة جميلة وممتعة تعيش معنا وتسعدنا وتحبنا كما أحببناها..

 

قد عشت طوال عمرى أحب الطيور ولم يكن لى فى عالم الحيوان وفى طفولتى كنت أتابع أسراب الطيور القادمة من أوروبا فى فصل الشتاء وكنت اعرف ألوانها وأصواتها وهى تعبر فوق قريتنا الصغيرة على حدود البحر فى محافظة البحيرة..وحين جئت إلى القاهرة منذ سنوات بعيدة كنت حريصا ان أربى عصفورا فى البيت وأخترت الكنارى رفيقا لأنه الأرق والأعذب صوتا..

 

ومنذ خمس سنوات استقر بى الحال مع عصفور كنارى من نوع نادر جدا كنت اسميه”يورى”وهو الاسم الأول من بسترناك الشاعر الروسى الكبير..

 

كانت مشكلة يورى معى انه رفض الزواج أكثر من مرة..وذات صباح منذ شهر تقريبا ذهبت لأقدم له الطعام كما افعل كل يوم فوجدت بجوار القفص عصفورة دخلت من شباك البلكونة..وأمسكت العصفورة وهى من نفس النوع وأنا لا اصدق نفسى فلم اعرف من أين جاءت وقد بدا عليها إنها ابنة ناس..

 

وقلت لنفسى لماذا لا أحاول مرة أخرى ان يتزوج يورى هذه العصفورة وقد هبطت عليه من السماء..ان الشىء الغريب فى عصفور الكنارى انه لا يغنى إلا إذا كان وحيدا ولهذا توقف يورى عن الغناء بعد ان اجتمع مع رفيقته الجديدة فى قفص واحد..مرت أيام قليلة ويورى لا يغنى والعصفورة الجديدة تملاء المكان وذات يوم رأيتها تأخذ مكانا قصيا فى القفص وتنام فى عشها الصغير..

 

واكتشفت ان فى العش بيضة خضراء تنام عليها العصفورة..ثم تلاها بيضة أخرى وانسحبت العصفورة تماما من القفص وأخذت ركنا قصيا فيه ونصحنى مربى العصافير ان افصل بينهما واترك العصفورة تنام فوق أبنائها الصغار القادمين..

 

وفى اليوم التالى وجدت يورى لا يأكل وينام فى القفص لا يتحرك وحملته بعيدا واكتشفت انه غارق فى دمه بلا أسباب فلم يقترب منه احد..دقائق حزينة وانين صامت وريش يتساقط وعيون زائغة فقد مات يورى.

 

لسنا وحدنا فى هذا الكون هناك أشياء كثيرة تسعدنا ونحزن كثيرا حين تغيب عنا. نقلا عن الاهرام