ملتحى يترك الصلاة بسبب فتاة

ايجى 2030 /

أنا شاب تائب إلى الله، وكان سبب توبتي أنني ابتليت بمرض الاكتئاب، و كنت أراجع طبيبًا نفسيًّا، ولم أكن أعمل ووجدت عملاً، ثم فكرت بالزواج كي أحصن نفسي، إلا أنني لم أوفَّق إلى الآن، وقد فسخت خطوبتي من فتاة بسبب أنها طلبت مني أن أغيِّر من مظهري الملتزم (اللحية والثوب)، وقد بحثت عن غيرها، فوجدت واحدة ملتزمة إلا أن أهلها بعد أن وافقوا بلغوني بالرفض، وإلى الآن لم أعرف السبب رغم أن الفتاة ملتزمة.. الآن مضى على بحثي عن زوجة خمس سنوات تقريباً، وبدأت أشعر بالإحباط والفراغ.. الآن أصبح التزامي في مهب الريح، خصوصاً بعد أن أصبح الجميع يلومني عليه، وعاد شبح الاكتئاب يطل علي بوجهه القبيح، وأثقلتني المعاصي التي عدت لارتكاب بعضها من حين لآخر، حتى وصل الأمر إلى ترك بعض الصلوات، وقمت بفعل العادة السرية، والنظر إلى ما حرم الله، بل والتفكير بالفواحش، فأصبح التزامي مظهرياً لا أكثر.. فهل أنا مسحور أم معيون، أم هو الاكتئاب؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

أخي الكريم

بعد تحليل مضمون خطابك وجدت أنك تسيطر عليك حالة من اليأس والإحباط، وتستشعر أن الأمور كلها ليست في مصلحتك، وهذه الحالة تدفعك إلى الانعزال عن المجتمع، والانزواء في ركن بعيد، مما يولد عندك حالة من الاكتئاب، فتنظر إلى الدنيا بمنظار أسود، وهذه الحالة جعلتك صيدًا سهلاً للشيطان، فأخذ يبعث لك بجنوده الذين حاولوا تفريغ التزامك من مضمونه، والإيقاع بك في مصيدة الشهوات والرغبات.

أخي الفاضل..

النفوس تمرض كما تمرض الأبدان، وإذا كان علاج البدن عرضها على الطبيب، فكذلك حال النفوس، فهي تحتاج إلى من يطببها ويأسو عليها، وراحة النفس أن تعود إلى رحاب مولاها وخالقها، وأن تلقي حمولها عند بابه، وأن تُعَفِّرَ وجهها على عتباته، ضارعة متبتلة خاشعة، طالبة منه العون والمساعدة، راضية بقضائه وقدره، عند ذلك تستريح النفس، وتنشط مما أصابها.

ورد في بعض الآثار قال الله -تعالى: “أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، وإن تابوا فأنا حبيبهم؛ لأن الله يحب التوابين، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، ابتليهم بالمصائب حتى أطهرهم من المعائب”.

وحتى لا يكون كلامنا استرسالاً أرى أن نتوقف عند أمور سبعة:

1- التوبة الصادقة: فالتوبة ليست كلمة تقال، ولكنها أفعال وعزائم ومجاهدات، والله يحب التوبة من عباده، “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ”، وكذلك يقبلها ممن ندم ورجع إليه “أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”، بل ويبدل تلك السيئات حسنات “إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ”.

2- الصحبة الصالحة: فالإنسان اجتماعي بطبعه، ولكن المشكلة في نوعية الصحبة، فالصحبة الصالحة تكون عونًا لصاحبها على الشيطان، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والصحبة السيئة هم شياطين الإنس الذين يزينون الشهوات والملذات، فاختر لنفسك صحبة صالحة تعينك على الطاعة.

3- الانشغال بالعبادة والطاعة: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وأنت تعاني من الفراغ، والفراغ مفسدة عظيمة ، فاشغل نفسك بالعمل والطاعة وأبواب الخير.

4- الرضا بقضاء الله: هذا ركن أساسي من أركان الإيمان الستة، ولتعلم أن قدر الله لا يأتي إلا بخير، فمن فسخت خطوبتها، وتلك التي رفضك أهلها لعلك لو تزوجت من إحداهما لكان وبالاً عليك في الدنيا والآخرة، ولكن اعلم أن الله يخبئ لك الخير، ولكن سل الله دائمًا أن يوفقك إلى الخير، وأن يفتح لك أبوابه، وأن يبعدك عن الشر ويغلق دونك أبوابه.

5- سد منافذ الشيطان: الشيطان لا يهدأ له بال حتى يورد ابن آدم المهالك، فإن خطرت لك خاطرة سوء، فاصرفها عن خاطرك، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ”، ولا تقعد منفردًا ومنعزلاً عن الناس، ولا تقترب من مواطن الفتن، فلا تدخل المواقع الإباحية، أو تشاهد قنوات العري، أو تطلق بصرك لكل امرأة أو فتاة تمشي في الشارع، قال -تعالى: “وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً”.

6- طلب العون والمساعدة من أهل الخير: “ثلاثة حق على الله أن يعينهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف، والمكاتب يريد الأداء”، فإذا وجد منك أهل الخير والصلاح أنك تجتهد في طلب تحصين نفسك بالزواج، فإنهم سيقومون بسد ما تعجز عنه، وليس في ذلك حرج، وأهل الخير موجودون في كل زمان ومكان.

7- عدم الاستسلام للاكتئاب والإحباط: الضعف والاستسلام سلاح قاتل فتاك، ولكن تغلّب على ذلك بالعزيمة وقوة النفس، والثقة بها، ولا مانع من الرجوع إلى طبيب نفسي مسلم ملتزم يكون عونًا لك في اجتياز تلك المرحلة الحرجة.

وأخيرًا وليس آخر أسأل الله لنا ولك السلامة من كل سوء، وأن يحفظنا وإياك مما يحفظ به عباده الصالحين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.