الاختيار

الاختيار

بقلم ـ محمد جمال الدين
لم يحظ مسلسل سيرة ذاتية مصري بمثل ما حظى به مسلسل الاختيار، والذي من خلاله يتم تجسيد شخصية البطل الشهيد «أحمد صابر المنسى»، فمنذ تقديم مسلسل رأفت الهجان لم يلتف جمهور المشاهدين حول مسلسل سوى فى الاختيار، فعقب نهاية عرض الحلقة الأولى مباشرة، شهدت وسائل التواصل الاجتماعى سيلا من مقاطع الفيديو والصور والمنشورات، جميعها توثق حياة البطل الراحل وتشيد ببطولته، بل إن مؤشرات البحث الإلكترونى تصدرتها صور وأخبار البطل «المنسى» منذ طفولته وحتى استشهاده، والتي كان من أهمها التسجيل الصوتى الأخير والذي سجله البطل من قلب المعركة، والذي يؤكد فيه أن إرهابيين حاصروه هو وجنود آخرون، مشددا على أنه لن يستسلم ولن يترك أرض سيناء لهم، تلك الأرض التي عشقها المنسى، كما عشقها جل ضابط وجندى مصري، وقدم من أجلها حياته سواء فى الماضى أو الحاضر وهو نفس ما سيحدث فى المستقبل إذا تجرأ أحد على تهديدها، هكذا هى عقيدة الجندى المصري، لا تفريط فى الأرض، الذي يتساوى ولا يقل بأى حال من الأحوال عن التفريط فى العرض.. عرض مسلسل الاختيار على الشاشة، نتج عنه أمر فى منتهى الأهمية وهو اشتعال حالة العشق والتلاحم بين الشعب المصري وقواته المسلحة التي جسدها الشهيد البطل، والتي حاولت مرارا وتكرارا جماعات الإرهاب أصحاب الدم الأسود اللعب على وترها، لذلك أنفقوا من أجلها الكثير من الريالات والدولارات مهداة إليهم من دول عميلة مقابل خيانتهم لوطنهم، حتى يشقوا الصف بين الجيش والشعب، غافلين أو متوهمين قصدا أو بدون قصد، أن شعب مصر الذي وقف طوال تاريخه داعما ومساندا لجيشه «يمكن أن ينحاز إلى جانبهم»، فهو منهم وهم منه، لذلك يعد جيش مصر المنفذ والملبى لكافة مطالب الشعب ومحققا لرغباته، فهى بالنسبة له تعد أوامر واجبة التنفيذ، مثلها فى ذلك مثل الأوامر العسكرية الواجبة التنفيذ فى التو واللحظة، وهذا ما تجسد فعليا عندما لبت القوات المسلحة نداء الشعب لها لحمايته من بطش الإرهاب فى الـ30 من يونيو عام 2013، وهذا تحديدا ما جعل جماعات الإرهاب الأسود تخشى هذا العمل الفنى، فدأبت على مهاجمته حتى قبل عرضه على الشاشة، من خلال عملائها فى الفضائيات العميلة وكتائبها الإلكترونية، لإيمانها الراسخ أن مثل هذه الأعمال الدرامية تكشفهم وتكشف دورهم فى العمالة والخسة والوضاعة ضد جل ما هو مصري.. ولكن يظل هناك جانب مهم آخر فى هذا المسلسل، وهو الخاص بتنشيط ذاكرة المصريين، باستعانته فى العمل الدرامى بوثائق وفيديوهات حقيقية ومشاهد حية لقادة الإرهاب، وهم يتحدثون فى ميدان رابعة العدوية، مهددين ومتوعدين بأعمال الإرهاب والحرق والقتل فى الشعب، إذا لم يعد رئيسهم المخلوع إلى قصر الاتحادية، كما تضمن العمل مشاهد حية لمذبحة رفح التي ارتكبت غدرا فى حق جنودنا وهم يستعدون للإفطار فى شهر رمضان، وكذلك فيديو من خطبه رجلهم السابق الذي تولى حكم البلاد فى غفلة من الزمن، متحدثا عن الشرعية التي خالفها هو وقطيعه من قادة جماعته الإرهابية، هذه الفيديوهات وتلك المشاهد يجب أن يتذكرها كل مصري محب لوطنه جيدا، حتى لا ننسى جرائم وأفعال هذه الجماعة فى حق شعبنا المسالم، لكونها جماعة عشقت الدم وقتل الأبرياء باسم الدين كعشقها لاعتياد العيش فى الظلام، لأن معركة مصر مع هذا الإرهاب ستظل مستمرة، حتى يتم القضاء عليه نهائيا ليصبح هو والعدم سواء، وإذا كان البطل «أحمد المنسى» قد اصطفاه الله بالشهادة فهناك غيره بالآلاف ينتظرون وهم على أهبة الاستعداد ليقدموا حياتهم فداء للوطن حتى تتطهر مصر من هؤلاء الأنجاس.

أخيرا تحية إعزاز وتقدير لكل من أسهم فى هذا العمل الوطني، سواء كان ممثلًا أو كاتبًا أو مخرجًا أو منتجًا أو فنيين وإداريين.. وتحية أيضا لشعب مصر الذي تفاعل مع هذا العمل منذ إذاعة حلقته الأولى كبيرا كان أم صغيرا، الذي يعلن انتظاره ومنذ الآن لأعمال فنية أخرى مماثله لأبطال مصريين آخرين.

وفى النهاية تحية لكل شهداء مصر الأبرار الذين ضحوا بحياتهم، حتى يمنحونا الأمل فى أن الغد سيكون أفضل على مصر وشعبها بإذن الله.