جائحة الأسعار.. موجة عالمية وتأثيرات داخلية

جائحة الأسعار.. موجة عالمية وتأثيرات داخلية

إبراهيم شعبان
تزايدت الأسئلة خلال الأسابيع الأخيرة، حول الأسباب الحقيقية التي تقف وراء موجة الغلاء والتضخم وزيادة الأسعار في مصر. وعما إذا كانت هذه الزيادات وراءها أسباب محلية وعالمية ولا تقف فقط عند حدود الاقتصاد المصري فقط؟! أم لا؟

وفي الواقع فلقد اقترب الرئيس الأمريكي، جو بايدن من جوهر الحقيقة، عندما خرج قبل ساعات ليقول ان أزمة التضخم القياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وراءها الرئيس الرئيس الروسي بوتين. بمعنى اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية. وذلك بعدما سجل التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستوى له منذ 40 عامًا.
وفي السوق المصري، ووفق بيانات الحكومة، فقد ارتفع معدل التضخم في فبراير إلى نحو 8.8% وهو أعلى مستوى له منذ منتصف عام 2019، مقارنة بنحو 7.3% في يناير الماضي.

والحاصل أن هناك أسباب عدة، يمكن إرجاع ارتفاع الأسعار اليها وهى وللحقيقة غير مرتبطة بالداخل المحلي، قدر ارتباطها بالخارج وبالتغيرات الاقتصادية العالمية. فإثر جائحة كورونا التي تضرب العالم طوال ما يقارب العامين ونصف، منذ أخريات عام 2019 وظهورها في مقاطعة “أوهان” بالصين وحتى أوائل العام الجاري، وقد كانت تأُثيراتها الاقتصادية والصحية فادحة على الاقتصاد العالمي. خصوصا ما صاحبها على مدى هذه الفترة من “عملية إغلاقات” وحظر السفر وتأثيرات على السياحة العالمية وحركة الطيران. إذ بموجة عاتية من التضخم العالمي أشعلتها الحرب الروسية- الأوكرانية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.

وخلال الأسبوعين الأخيرين، بدأت ملامح هذه الموجة تظهر في ارتفاع سعر البترول العالمي، بما يزيد عن النصف ووصوله خلال الأيام الأخيرة إلى حاجز إلى 130 دولار قبل أن يعود إلى نحو 113 دولار للبرميل، وهو ما يزيد عن سعره السابق بنحو 40 دولارًا في كل برميل. وتزايد اشتعال سعره في أعقاب فرض الولايات المتحدة الأمريكية، حظرا على استيراد النفط والغاز الروسي. وأعقب ذلك قيام روسيا بفرض حظر مماثل على تصدير الحبوب للاتحاد الأوروبي، وتهديد روسيا بتسديد ديونها بالروبل الروسي إن تواصلت العقوبات الغربية عليها.
وفي مصر، كان لهذه التداعيات العالمية آثارا جانبية على الاقتصاد المصري. فالاقتصاد العالمي يعيش “موجة التضخم المستورد” وهو عبارة عن ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية التي تستوردها الدولة من الخارج، فتؤثر بشكل كبير على الأسعار في السوق المحلي، بسبب ارتفاع أسعار تلك المنتجات عالميا وأهمها الآن القمح والفول والزيوت والبترول.
يضاف لذلك، أن الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا- وللآسف فإنه لا تبدو حتى اللحظة، آفاق لحل سياسي للأزمة بل مزيد من التعقيد بها، خصوصا مع فتح البلدين أبوابهما لتدفق آلاف من المتطوعين أو المرتزقة – أيا كان المسمى – للقتال في صفوفهما، فإن استمرار هذه الحرب، ومع الإمكانيات التصديرية الهائلة للبلدين، وبالخصوص في مجال الحبوب والبترول يهدد بارتفاع جديد بالأسعار.
وتعد مصر وفق تقارير اقتصادية عدة، من بين أكبر الدول تأثرا بتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، خصوصا وأنها تستورد كثير من احتياجاتها وبالخصوص الحبوب من الخارج. علاوة على العديد من المشتقات النفطية والتي زاد سعرها. وإذا كانت الحكومة قالت: إن هناك احتياطي استراتيجي من كافة السلع الأساسية يكفي لشهور ما بين 4 إلى 6 أشهر فهذا “مؤشر مطمئن” إلى توافر السلع في الأسواق وعدم الخوف من نقص أي سلعة. لكن بالرغم من ذلك، لا يمكن لأحد أن يخفي أو ينكر الارتفاع الذي ضرب أسعار العديد من السلع بالداخل، وهو ما يدعوا الحكومة إلى التفكير في خيارات شتى لمواجهة هذه الموجة وتقليل آثارها على المواطن المصري. وهناك بعض الحلول المبتكرة المقدرة، ومنها مؤخرًا قرار وزارة التجارة والصناعة حظر تصدير القمح والفول والعدس والمكرونة والدقيق للخارج نحو ثلاثة أشهر، وهو قرار اقتصادي جيد سيدفع لتوافر هذه السلع بالسوق المحلي وسيدفع حتما إلى انخفاض أسعارها أو عدم الصعود مجددًا لمستويات أخرى. كما أن هناك حاجة ماسة لتفعيل التوجيهات الحكومية بملاحقة محتكري السلع ومن يقومون بتخزينها بمنتهي الحسم. فهذه فترة عالمية حساسة وتاثيراتها ستكون خطيرة سياسيًا واقتصاديًا ولابد من السيطرة على زلزال الأسعار.