الذوق العام في قفص الاتهام

الذوق العام في قفص الاتهام

جمال عبدالصمد
لا شك أن كل من لديه صوت بديع وموهبة غنائية يتمنى أن يحقق حلمه أو أن يأخذ فرصة مثل غيره. لكن ليس من حق من لا يمتلك هذه المقومات أن يحاول تغيير خريطة الذوق العام، من خلال اتخاذه طريقا يتنافى مع الفن المحترم، الذي يحمل الرسالة والمتعة معا.

 

مما لا يدع مجالا للشك أن الموسيقى والغناء تعددت أشكالهما وأنواعهما، منها الأغاني الدينية والرومانسية والدرامية الحزينة والشعبية والراب، وغيرها من الأشكال الموسيقية والغنائية.

ولكن ظهر لنا نوع آخر أطلقوا عليه (المهرجان) وهو، اسما ووصفا.

برغم الانتقادات والهجوم على هذه النوعية من الأغاني (المهرجانات)، إلّا أن هناك جهات تروّج وتسوق لها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على سبيل المثال وليس الحصر، استعانة صناع الأعمال الفنية بموسيقى وأغاني (المهرجانات) في تترات بداية ونهاية المسلسلات، بالإضافة إلى إقحام هذه النوعية من الأغاني في الأفلام السينمائية والإعلانات أو مشاركة عدد من الفنانين في تلك الأغاني.

الملاحظ أن غالبية الإعلانات التي تستعين بأغاني المهرجانات، بالإضافة إلى أغاني المهرجانات نفسها تكتب الكلمات أسفل الشاشة، وكأنها لوحة إرشادية للأغنية أو ترجمة لها باللغة العربية حتى يفهمها الناس وهذا أكبر دليل على أن كلمات هذه الأغاني غير مفهومة.

في حين تجد جهات أخرى تحارب هذه النوعية من الأغاني، إما من خلال الهجوم أو نقد القائمين عليها، مثل ما قامت به نقابة المهن الموسيقية بوضع ضوابط وشروط ومن يخالفها تقوم بتطبيق كل الإجراءات القانونية تجاهه. قد تصل تلك القرارات إلى منع مقدم (المهرجانات) من الغناء، وإلغاء كل الحفلات التي تخالف ضوابط النقابة، بالإضافة إلى عدم منحه التراخيص لمزاولة المهنة.

المثير للدهشة، أنه عندما يُمنع مؤدو (المهرجانات) من الغناء في مصر يطرقون أبواب بعض الفضائيات ويبكون ويخاطبون الجانب الإنساني للجمهور بشكل يثير الشفقة. ويتحدثون بأنهم مصدر رزق لأسر كثيرة، برغم أنهم يعتمدون على الفلاشة في غنائهم أو على طريقة الـ(بلاي باك).

المستفز في هذا الموضوع، أنه عندما وضعت نقابة المهن الموسيقية شروطا وضوابط للموافقة على إجازتهم، نتفاجأ بقيام دول أخرى بفتح أبوابها لهم، واستضافتهم وإقامة حفلات لهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قاموا بتقديم الهدايا الثمينة والنفيسة لهم، في لقطة أثارت علامات استفهام للعديد من التساؤلات.

أتذكر أن الشارع المصري والعربي قديما وقريبا كان يستمع ويتغنى لبعض المطربين أمثال عبد الحليم حافظ ومحمد منير وعمرو دياب وحميد الشاعري ومحمد فؤاد وإيهاب توفيق ومصطفى قمر وحكيم، وغيرهم من أصحاب الأصوات الجميلة، والآن أصبحت تطفو على الساحة الغنائية أسماء مثل حمو بيكا، ومجدي شطة، وحسن شاكوش، عنبة، ويجز، زوكش، كزبرة، شواحة، الدخلاوية… وغيرها من أسماء أغرب من الأصوات.

لم تكن المشكلة محصورة في أصوات مطربي أغاني المهرجانات فقط، بل اعتمدت تلك الأغاني على ألحان مسروقة، بالإضافة إلى الاستعانة بكلمات يحاسب عليها القانون، كونها تخالف الآداب العامة، والقيم والمبادئ، وتقاليد المجتمع والشارع المصري.

 

أخيرًا تجد جهات تروج، وجهات تحارب وفي النهاية يتهم الجمهور أنه هو من يريد ذلك، تساؤلات كثيرة لابد أن نسألها لأنفسنا:

هل الجمهور عايز كده.. أم الذوق العام قد تغير؟

هل المنصات الرقمية أسهمت في انتشار هذه النوعية من الموسيقى والكلمات؟

هل غياب الرقابة ساعد في تدني الذوق العام.. أم أن هناك جهات أخرى ساعدت على تدني الذوق العام؟

هل صدق المثل الشعبي “الزن على الودان أمر من السحر “.. أم الجمهور بريء من التهمة المنسوبة إليه؟

هل انسحاب الأصوات الجيدة والمطربين الكبار من على الساحة، كان سببا في انتشار هؤلاء المؤدين، وتفشي ظاهرة المهرجانات؟

هل هناك أياد متورطة في انتشار موجة “المهرجانات”.. ومتى يتحرر الذوق العام من تلك الاتهامات؟!