فن الاختلاف

فن الاختلاف

بقلم ـ محسن عبدالستار
من خلال التواصل مع الآخرين وتقبل الآخر، تتكون المعرفة ويزداد تبادل الخبرات لدى الأفراد، فتزول الأفكار السلبية، التي بالعادة تكون مرتبطة بذهن الإنسان.

“تكسيرك لمجاديف غيرك لا يزيد أبدًا من سرعة قاربك”.. حكمة تبين فن قبول الاختلاف، والتعايش الإيجابي بين البشر.

علينا أن نقف معًا أمام الكثير من الأسباب والاختيارات، التي أدت إلى بعض السلوكيات السلبية لدى الكثيرين، وعلينا العمل على تهيئة الجيل القادم من الشباب، وهو مستقبل البلاد، وصمام الأمان وقوة الوطن، وعدة الأمم وثرواتها، لما يتمتع به من حيوية ونشاط، فهو مصدر الانطلاقة للأمم، وبناء الحضارات، وصناعة الآمال، وعز الأوطان، لما يمتلكونه من طاقات هائلة لا يمكن وصفها.. فهم أمل الحاضر، وعدة المستقبل.

فكيف لهذا الشباب أن يتقبل الآخر، ويتقبل ثقافة التعددية في الآراء، والتسامح والتعايش بعيدًا عن التعصب والاختلاف؟!

إن الاختلاف جعل التنوع تمامًا مثل الحديقة، التي تمازجت بها الأزهار، بمختلف ألوانها وتناسقها مع بعضها، فرسمت وأخرجت منظرًا بديعًا جميلًا فريدًا من نوعه.

هناك قصة قصيرة، ربما الجميع يعرفها، لامرأة عجوز، كانت تملأ الماء كل يوم من نهر في القرية قريب منها، في إناءين مربوطين على عصا تحملها على كتفها، دون كلل أو ملل، أحدهما كان فيه عيب بسيط يصل فيه الماء إلى البيت بنصف الكمية، وبعد سنتين من التسريب، نطق الإناء المشروخ مخاطبًا السيدة العجوز قائلًا: “أنا أخجل من كمية الماء المهدورة، والمجهود الذي تبذلينه في نقل الماء كل يوم”، ابتسمت العجوز وأجابت: “ألم تلحظ الزهور الممتدة على طول الطريق، الذي من ناحيتك فقط؟

لقد قمت بغرس البذور على طول مسارك، وهذه الزهور التي تزين بيتي أنت تسقيها، فلو لم تكن مشروخًا لما كان البيت جميلًا”، كان من الممكن للمرأة العجوز أن تقوم بإصلاح الدلو المشروخ، أو حتى استبداله بآخر جديد، لكنها لم تفعل ذلك، لكن قبلت الأمر كما هو بعيوبه، وقامت بنثر البذور على طول الطريق، الذي يتسرب فيه الماء، ليتحول النقص إلى الكمال، وما يبدو في ظاهرة القبح إلى جمال.

دعوة لضرورة تقبل الآخر، والاختلاف الحاصل كما هو، بعيوبه قبل مميزاته، وأن يتحول هذا الاختلاف إلى جمال وقوة.

لقد جعل الله من الاختلاف سببًا للتعارف والتكامل والتميز بين الأمم والشعوب وعاملًا لتعزيز العلاقات وتقويتها وليس للتعصب والصراعات.. كما قال سبحانه وتعالى: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

بيان من الله تعالى، يذكر فيه جميع خلقه بأنهم من أصل واحد سواسية، خلقهم ليجتمعوا على عبادته ونشرهم في الأرض، ليتعارفوا ويتعاونوا على مرضاته، وأكرمهم وأعلاهم شأنًا عند الله، هو أطوعهم وأتقاهم له سبحانه وتعالى.

من خلال التواصل مع الآخرين، وتقبل الآخر، تتكون المعرفة ويزداد تبادل الخبرات لدى الأفراد، وتزول الأفكار السلبية، التي هي عادة مرتبطة بذهن الإنسان.

عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فالتعامل الإنساني فن يجب أن نتعلمه لكي نعيش بسلام ومحبة.