سيد على : أشواك دول الجوار العربي

سيد على : أشواك دول الجوار العربي

نقلا عن صحيفة الاهرام
ظل مصطلح دول الجوار العربي متداولاً في مراكز البحوث وعند النخبة؛ لدرجة الثرثرة ولم نخلص إلى رؤية ناضجة للتفاهم والحوار من أجل التعايش المشترك، ولعل من المناسب بداية أن نحدد المقصود جغرافيًا بدول منطقة الجوار العربي.

فدول الجوار لدول الخليج العربية هي إيران وتركيا، ونتيجة لانقسام السودان لدولتين أصبحت دولة جنوب السودان دولة جوار جغرافي لكل من دولة السودان، إضافة لإثيوبيا، فضلًا عن الدول الإفريقية المتاخمة لكل من ليبيا والمغرب والجزائر، بالإضافة لإسرائيل المجاورة لمصر وسورية ولبنان والأردن وفلسطين، ويضمُّ الوطن العربي أراضي احتلت أو أصبحت ضمن بلدان مجاورة مثل فلسطين، وهضبة الجولان ولواء إسكندرون والأقاليم الشمالية السورية التي سلمتها فرنسا إلى تركيا، وجزر الكناري وسبتة ومليلية، وهما تحت الاحتلال الإسباني، وعربستان وجزر طنب الكبرى والصغرى وأبوموسى المحتلة من إيران.

بينما يستعمل معظم العرب مصطلح الوطن العربي، تستعمل أطراف أجنبية وغربية أو متأثرة بالغرب مصطلح العالم العربي، أو حتى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تسقط صفة العروبة عن تسمية المنطقة، بهدف دمج إسرائيل في المنطقة.

ومصطلح الشرق الأوسط نشأ في عام ١٨٥٠ في مكتب الهند البريطاني، ولكنه أصبح معروفًا عام ١٩٠٢، للإشارة إلى المنطقة الواقعة بين السعودية والهند، وبعد زوال الدولة العثمانية، راح الأتراك والفرس يتحينون الفرص لإحياء الإمبراطوريات القديمة، وسط انشغال العرب بقضية فلسطين والصراع – العربي الإسرائيلي، وكانت هناك عدة فرص لجعل تلك الدول حارسة وليس متنمرة، وتستهدف أمن واستقرار المنطقة.

وكثيرًا ما يقال إن سياسات الدول ترتبط عادة برقعتها الجغرافية؛ فموقع الدولة يحدد جيرانها ومحيطها الإقليمي، والموقع الجغرافي قد يشكل ميزة نسبية لدولة ما، وقد يصبح على العكس ما يسمى بـ “مأزق الموقع”، والجغرافيا هي في حد ذاتها محايدة، ولكن ما يغير من هذا الواقع هو نظرة ومواقف الجيران إليها، والمبادئ التي تحكم تعاملها، وهي قد تؤدي إما إلى حالة من التعاون بين دول الجوار أو حالة من تصاعد التوتر والخلاف.

فالمنطقة العربية تكاد تكون المنطقة شبه الوحيدة التي تفتقر لآليات مؤسسية لحل الخلافات مع دول الجوار، مما أفسح المجال أمام بعض الأطراف الإقليمية والدولية لتأجيج حدة هذه الخلافات؛ سواء داخل المجتمعات العربية أو بينها وبين دول الجوار، لتحقيق مصالحها ومخططاتها، ووصلت بعض هذه الخلافات إلى درجة الحروب المدمرة والقطيعة والثأرات والصورة السلبية المتبادلة بين المنطقة العربية ودول الجوار بينها.

وكانت آخر فكرة طرحت في القمة العربية الثانية والعشرين في مدينة سرت الليبية في مارس 2010 هي إنشاء “رابطة دول الجوار العربي”، وكان مقترحًا من عمرو موسى – وقت أن كان أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية – وبرر اقتراحه بأن الحوار ضروري مع من تختلف معهم، فبرغم حدة الخلافات التي كانت قائمة بين الدول العربية وإيران، فإن هذا لم يمنعهم من الحوار واستمراره.

ولكن هذا المقترح الذي يعبر عن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى، لم يحالفه النجاح عربيًا، بسبب حالة الضعف العربي – وقتئذ – والخشية من أن ينعكس ذلك على مخرجات ومضمون الحوار، وبالتالي سيزيد فيه العزم على الغرم، خاصة أن ما يحتاجه الإقليم بشدة في ظل هذه التطورات والتحديات المستمرة، ليس إبراز مزيد من “القوة الصلبة”، بل مزيج من تعزيز “القوة الناعمة”، مع إمكانية استخدام “القوة الصلبة” في حالات الضرورة.

وليست صدفة أن تكون إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا أشواكًا في الجسد العربي، كالذئاب التي تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على فريستها، ويجب أن ندرك أن إسرائيل ترقب ما يجري عن كثب، وتسعى لضرب العلاقات الطبيعية بين العرب وجيرانهم، لأن الدولة العبرية كيان خارجي لا علاقة له بالمنطقة، غير أنه من المعلوم أن الوطن العربي يقع بين أوهام الفرس والأتراك، حيث “الخزعبلات” التاريخية لعودة الإمبراطوريات القديمة، ولهذا ستظل علاقة العرب مع دول التخوم هاجسًا لا ينتهي في عالم متغير وعصر مختلف ومستجدات غير مسبوقة.

فإيران دولة تسعى إلى الانتشار إقليميًا، وتركيا دولة تفكر في حزام إستراتيجي يضم إيران والعراق وسوريا، أما إثيوبيا فهي دولة جوار شديد الحساسية تجاه التاريخ العربي والإسلامي، ولكنها طرف أصيل في موضوع ملف مياه النيل والأبعاد التنموية المحتملة تبعًا للعلاقات العربية – الإفريقية عمومًا، حتى انقضت هي الأخرى على النيل بسد النهضة في التوقيت الذي تم التخطيط له زمنًا طويلًا بعد فوضى يناير، لتصبح كل دول الجوار العربي أشواكًا في وقت واحد، وبالطبع ذلك ليس مصادفة.