بعد عام على غرق 203 لاجئ ومهاجر في رشيد… الأعداد في انخفاض!

بعد عام على غرق 203 لاجئ ومهاجر في رشيد... الأعداد في انخفاض!

ايجى 2030 /

عادة ما تعج فترة نهاية الصيف وبداية الخريف بالأحداث والمناسبات نظرا لاعتدال مناخ هذه الفترة من السنة، بعضها مبهج  كحفلات الزفاف والعطلات، وبعضها يحمل طابعا مختلفا، كثيرا ما يحمل في طياته ذكريات لأحداث مؤلمة، إذ يتسم الربع الثالث من العام في مصر بكونه موسما لعبور البحر المتوسط بطرق غير نظامية إلى أوروبا؛ وهو موسم كثيرا ما يكون مصدرا للأمل والتفاؤل للمسافرين الذين يتطلعون لمستقبل أفضل على البر الثاني بقدر ما يجلب من مآسي لهؤلاء الذين يتعرضون لجميع أشكال الاستغلال فضلا عن الآخرين الذين لم يسعفهم الحظ ليصلوا أحياء.

في العام الماضي وقبل بداية فصل الشتاء بأسابيع قليلة، شهدت محافظة البحيرة واحدة من أسوأ الحوادث في تاريخ مصر قبالة ساحل رشيد عندما غرق قارب يحمل على متنه أكثر من 350 شخصا حيث لقى 203 مصرعهم بينما نجا 164 شخصا من بينهم 43 يعدّون أشخاص ذوي اهتمام لمفوضية الأمم المتحدة شؤون اللاجئين.

الغطّاس عماد فتح الباب، الذي كان يقود فريق الغوص حينذاك كان أول من قفز إلى الماء لبدء محاولات الإنقاذ وقد تحدث مع المفوضية متذكرا أحداث هذا اليوم العصيب “كنت أول من بدأ بالغطس، واضطررت الى البقاء لتشجيع الطاقم كله للانضمام لي، كنا جميعا خائفين. لم يكن إنقاذ الغرقى وانتشال الجثث ضمن تخصصنا، كانت هذه المرة الثانية فقط. فعلنا ذلك مرة واحدة في البحر الأحمر. وكان قارب صيد في عام 2015، واستطعنا انتشال 12 جثة. في رشيد المسافة بين القارب والشاطئ كانت 8 كم فقط، وعلى عمق 12.5 متر في البحر.”

لقد كانت سعة القارب حمولة الأربعين (40) شخصا، وعلى الرغم من ذلك، دفع المهربون بأشخاص على متن القارب بأكثر من تسع مرات قدرته على الاستيعاب. وفى يوم الحادث، حمل القارب أكثر من 350 راكبا من مصر وسوريا وإريتريا والسودان والصومال ودول أخرى. وكان الصيادون أول المستجيبين على الساحة في الساعة 4:45 صباحا عندما انقلب القارب. وبينما تدخل بعضهم ونجحوا في إنقاذ العديد من الركاب، خاف البعض الآخر أن تنقلب قواربهم إذا تزاحم الركاب عليها نظرا لصغر حجمها لذلك أرسلوا للمساعدة ولم يستطيعوا التدخّل بـأنفسهم.

ودعمت شركة غوص صغيرة مجهودات الصيادين حيث ألقوا شباكا كبيرة حول منطقة القارب الغارق في محاولة لمنع الجثث من الانجراف بعيدا وفقا لشهادات الناجين القليلين من السودان والصومال وإريتريا وسوريا الذين أجرت المفوضية مقابلات معهم.

ومع الوقت تبين للجميع أن مهمة الإنقاذ مهمة صعبة ومعقدة وهناك حاجة إلى عملية أكبر بكثير للبحث عن الناجين واسترداد الجثث. وبناء عليه تدخل مكتب رئيس الوزراء المصري وتعاقد مع بارجة بترولية، تسمى برلس، لتقديم دعم سريع لسحب القارب الغارق. وبدأت البارجة في عملها يوم 25 سبتمبر وتم تجهيزها برافعة 100 طن مع فريق مكون من 14 غطاسا عملوا على مدار 24 ساعة على نوبتين في محاولة لسحب الجثث والقارب.

واستطرد عماد حديثه قائلا: “في اليوم الأول، سحبنا ست جثث. لن أنسى أبدا أول جثة سحبتها، كانت صدمة، ولكن كان علينا أن نواصل البحث. مع مرور الوقت، قمنا بسحب 35 جثة (32 رجلا وامرأة واحدة وطفلين). ووجدنا أيضا كف يد.”

لقد كانت كلفة البارجة 35 ألف دولار في اليوم وهي فريدة من نوعها لأنها لا تستخدم مراسي. ويوضح عماد أن “قوات البحرية المصرية استقبلت الجثث في البحر ونقلتها إلى الشاطئ حيث كانت العديد من سيارات الإسعاف في انتظار الجثث لنقلها إلى المشرحة. وأضاف “لقد تمكنّا أخيرا من سحب القارب الغارق في 27 سبتمبر. وكان انجازا كبيرا على الرغم من حالة الحزن والشجن التي حلت بالجميع في ظل هذه الظروف… من المحزن أن يفكر الناس بهذه الطريقة، ويتخذون مثل هذه المخاطر الغير المحسوبة والقرارات الغير المدروسة. هذا لا ينبغي أن يحدث.”

وقد روت إحدى الناجيات اللاتي قابلتهن المفوضية تفاصيل الحادث المأساوي وما شاهدته في تلك الليلة المشؤومة.

حسينة* هي امرأة صومالية تبلغ من العمر 21 عاما كانت في ثالث محاولة لها للخروج عن طريق البحر إلى إيطاليا في تلك الليلة. وقد كانت لاجئة في أوغندا، وجاءت إلى مصر في شهر أبريل 2016 وقد تكررت محاولاتها للسفر إلى أوروبا عبر البحر مرارا وتكرارا أملا في حياة أفضل. وقبل مجيئها إلى مصر، فقدت حسينة الاتصال مع والديها ولا تعرف ما إذا كان أي من أشقائها لا يزالون على قيد الحياة.” أنا لا أعرف أي شيء عن عائلتي،” هكذا بدأت حسينة قصتها.

أرادت حسينة الوصول إلى عمها في إنجلترا. جاءت من خلال السودان وحاولت الهجرة إلى أوروبا على متن قارب ولكن هذه المرة مع ثلاثة من صديقاتها الصوماليات اللاتي شاركتهن السكن في القاهرة ولكن للأسف ماتوا جميعا في البحر في ذلك اليوم. وتروي حسينة: “رأينا فستان أنستاها الملون عائما، لكننا لم نتمكن من الوصول إليها. نعتقد أنها ماتت، ولكننا لم نتمكن من العثور على صورها بين الجثث التي تم انتشالها.” وتابعت قائلة: “كنت أقاتل من أجل حياتي في الماء ليس فقط لأنني لم أكن أعرف كيف أعوم، كان الناس يحاولون أن يأخذوا سترة النجاة التي كنت أرتديها لدرجة أن أحدهم عضني في يدي.” وكانت علامات العض واضحة خلال مقابلة حسينة مع موظفي المفوضية، أثناء تواجدهم بعد الحادث المأساوي، للاستماع إلى الناجين ودعمهم ودعم أسر الضحايا ومؤازرتهم.

وبعد التحقيق، أصدرت السلطات المصرية أوامر اعتقال ضد 57 شخصا فيما يتعلق بحادث قارب رشيد. وفي 26 مارس 2017، أصدرت محكمة جنح رشيد حكما بالسجن وغرامات على المتهمين ال 57 وقامت بتبرئة شخص واحد فقط. وكان قد ألقي القبض بالفعل على 38 متهما وقت صدور الحكم بينما كان الحكم غيابيا على الهاربين الآخرين. وتراوحت العقوبات بين سنتين وعشر سنوات سجن وغرامة تصل إلى 20 ألف جنيه. وشملت التهم القتل العمد، والتهريب، والاحتيال، واستخدام القوارب لأغراض غير الأغراض المرخصة لها.

وفي الوقت نفسه، وفي أقل من شهرين بعد حادثة رشيد، في 17 أكتوبر 2016، صوّت البرلمان المصري بأغلبية للموافقة على قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية (القانون 82/2016)، الذي أقرّه بعد ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي في 7 نوفمبر 2016، ونُشِرَ في الجريدة الرسمية المصرية في 7 نوفمبر، 2016. وينص القانون الجديد على عقوبات قاسية على مهربي البشر.

وفي عام 2017، انخفضت أعداد اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين إلى أوروبا الذين يسافرون عبر البحر إلى أوروبا من مصر انخفاضا ملحوظا، وهو ما يمكن أن يعزى إلى إقرار القانون 82/2016، فضلا عن زيادة أنشطة خفر السواحل على الحدود، من بين أسباب أخرى.

وقد أشاد السيد كريم أتاسي، ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر بجهود الحكومة في ملاحقة المهربين والمتاجرين بالبشر الذين يستفيدون من محنة اللاجئين الهاربين من الاضطهاد وانتهاكات حقوق الإنسان مضيفا أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في مصر تتعاون مع الحكومة المصرية لتعزيز حماية ملتمسي اللجوء واللاجئين في مصر على مختلف المستويات، بما في ذلك الدعوة إلى الإفراج عن المحتجزين في محاولات الهجرة غير النظامية.

وعلى الصعيد العالمي، تعمل المفوضية عن كثب مع الحكومات لضمان عدم معاملة اللاجئين وطالبي اللجوء الذين يغادرون البلد بصورة غير نظامية كمجرمين وعدم إخضاعهم للعودة القسرية إلى وطنهم الأصلي.