عماد الدين حسين : الجمعيات الأهلية تحت أمر الحكومة!  

«جمعية طريق الحرير»، جمعية أهلية صينية، تحاول ان تلعب دورا فى تعزيز العلاقات الشعبية بين مصر والصين.صباح الخميس الماضى، كنت ضمن وفد صحفى مصرى محدود فى بكين، والتقينا المسئول عن الجمعية جونج مينج بحضور الملحق الثقافى المصرى د.حسين إبراهيم وبتنسيق مع وزارة التعليم العالى والسفارة المصرية فى بكين.

 

سألت السيد مينج عن العلاقة بين جمعيته وبين الحكومة الصينية، فقال: «نحن مع الدولة والحكومة فى كل شىء وكل نشاط. الدولة تضع الإطار والأفكار والتصورات، ونحن نتولى التنفيذ على الأرض. فى رأيه ان العلاقة بين الدولة والجمعيات الأهلية فى الصين أشبه بالمبنى الضخم، الدولة هى الهيكل الخرسانى ونحن الطوب والديكور، عندنا مهام سنوية مطلوبة من كل جمعية، وكل طرف عليه دور».

 

وسألته من الذى يتولى عملية تمويل الأنشطة التى تقوم بها الجمعيات الأهلية، فقال، إن الدولة تدفع وتمول أحيانا لكن هناك جزءا كبيرا يتحمله الرعاة خصوصا من رجال الأعمال، وفى بعض الأحيان نلجأ إلى الحكومات الشعبية أو المحلية حيث إن هناك حكومة أو إدارة محلية فى كل مقاطعة وحى، وتملك موارد وميزانيات مستقلة.

ولكن هل يساهم القطاع الخاص بالأموال والرعاية لوجه الله ووجه الدولة؟!.

 

يجيب المسئول الصينى قائلا: «المنفعة متبادلة، فأحد المصانع الكبرى ساهم فى تولى رعاية مهرجان الفلوكور الصينى ــ الأفريقى الأخير الذى عقد فى الأقصر مؤخرا، مقابل أن تقوم الفرق الفنية بارتداء ملابس عليها شعار المصنع، وهكذا.

لكن هل يمكن أن تتعارض مصالح الدولة والحكومة مع مصالح الجمعيات الأهلية فى الصين؟!.

 

الإجابة القاطعة هى لا كما يجيب السيد مينج، ولا يوجد أدنى احتمال أن تعارض الجميعات الدولة، فالأخيرة عليها أن تأمرنا ونحن ننفذ، بل هى التى تقول لنا ادعموا هذا الموضوع بقوة أو ببطء أو لا تدعموه بالمرة».

 

لكن ما الذى سوف تستفيده الجمعيات الأهلية من هذا النموذج، أو بعبارة أخرى ما الذى يجبرها على ذلك؟.

الإجابة هى أن اغلب اعضاء هذه الجمعية من كبار رجال الأعمال والمستثمرين، هم يرعون أنشطة فنية واجتماعية وثقافية تخدم بلدهم الصين وعلاقتها بمصر، وفى الوقت نفسه، يتعرفون على فرص الاستثمار الموجودة عندنا.

 

قابلت مصريا مقيما فى الصين منذ عام ١٩٨٩ ويعرف المجتمع جيدا: هل نموذج مستر مينج وجمعيته هو السائد، أم أن هناك جمعيات أهلية يمكن أن تعمل بصورة مستقلة عن الدولة او تعارضها؟!

 

الإجابة القاطعة هى لا، فلا يمكن تخيل وجود جمعيات مناوئة، الجميع يعمل تحت عباءة الحكومة والدولة والحزب، ومن يفكر فى العمل بعيدا عنهم، فإنه لا يملك أن يفعل ذلك إلا بطريقة شديدة السرية وغير مرخصة أو علنية من خارج الحدود.

قد يسأل البعض: ولماذا تكتب عن هذا النموذج وما هو هدفك.. هل تريد ان يتحول مجتمعنا المدنى إلى النموذج الصينى؟!.

الاجابة هى لا شىء من كل ما سبق، فقط أننى رأيت هذا النموذج، بعد أيام من قانون الجمعيات الأهلية فى مصر، والهدف أن نعرف نماذج من الدول المختلفة.لكن السؤال الأهم هو: هل يصلح هذا النموذج لنا فى مصر؟!

 

تقديرى أن لكل دولة ظروفها، والأهم ليس هو الشكل، ولكن كيف يمكن تحقيق الهدف وهناك مقولة عبقرية منسوبة إلى الزعيم الصينى الكبير الراحل ماوتسى تونج حينما هاجمه بعض زملائه فى الحزب الشيوعى واتهموه بالخروج عن الماركسية ورد عليهم بقوله: «ليس مهما ما هو لون القط طالما أنه كان قادرا على اصطياد الفأر»؟!.

 

ما يصلح للصين قد لا يصلح بالتأكيد للولايات المتحدة أو غالبية الدول الغربية، وقد لا يصلح لنا فى مصر، وبالتالى فالمهم ليس الشعار، ولكن التطبيق على الأرض. المجتمع المدنى القوى والقادر والمتنوع أفضل داعم لبناء مصر فى المرحلة المقبلة. لا نريد دمى تحركها الحكومة، بل نريد مجتمعا أهليا حقيقيا يدافع عن رؤيته وفى الوقت نفسه، يستطيع فهم الظروف المحيطة.