صراع الأحفاد مع الأجدادمحمد أرسلان

صراع الأحفاد مع الأجدادمحمد أرسلان

محمد أرسلان
قرنٌ مضى على تقسيم المنطقة التي نعيشها إلى دويلات وأشباه دول مستقلة وتم ترسيم حدودها من قِبل سايكس – بيكو وكذلك رسموا لنا أعلامنا التي ما زلنا نرفعها على أنها المقدس الذي استشهد الآلاف من أجل أن يظل مرفوعًا مرفرفًا في سماء ما سُمّي بالوطن. في رسالة بعثها سايكس في 22 فبراير 1917 إلى المفوض الأعلى في مصر السير ريجينال وينكد يقترح عليه شكل العلم الذي ينبغي أن يكون للدول العربية، وهي نفس الأعلام التي نرفعها الان بألوانها الأسود والأبيض والأحمر والأخضر مع اختلاف ترتيبها بين كل دولة ودولة، ولكن الثابت فيها هي الألوان. وحتى معظم دساتيرنا التي ندّعي تطبيقها أخذناها من الفرنسيين. أي أنَّ دولنا التي نستميت في الدفاع عنها هي من صنعها لنا فرنسا وبريطانيا وأعلامنا بريطانيا من رسمتها لنا وحتى دساتيرنا استفدنا من التجربة الفرنسية في كتابتها مع بعض الأحيايين التي نقوم بتعديلها لتناسب وضع من يحكمنا باسم الشعب.

تشكلت الدول في منطقتنا ومنها من اتخذ شعار القوموية العربية والفارسية والتركية له عنوانًا والبعض من أختارها اسلاموية سنية كانت أم شيعية، والقليل من خرج عن رأي الجماعة وأراد أن يشكل دولة اشتراكية – يسارية بالاسم تأثرًا بالاتحاد السوفيتي. وراح الأجداد يضحي بأغلى ما يمتلكه لتمكين هذه الدول وترسيخها من أجل أن تكون من أقوى الدول وأمنعها على كل من يفكر بالهجوم عليها. فتشكلت جحافل الجيوش وصرفت الملايين من أجل تسليحها بأفضل من انتجته الدول الغربية “امريكا – فرنسا – بريطانيا – ايطاليا …. الخ” أو الشرقية منها “روسيا – الصين – كوريا …. الخ”. ودخلنا في صراع الأحلاف الغربي منها أو الشرقي.

كان القرن العشرين هو قرن لصراع الثنائيات بامتياز. هذه الثنائيات التي دخلناها مكرهين ظنًا منا أنَّ أحدها تمثل الخير والآخر هي محور الشر اللعين الذي ينبغي محاربته. حارب أجدادنا للتمسك بهذا الخيار الغربي اليميني أو الشرقي اليساري، السني أو الشيعي. وعليه تم بناء الأوطان التي كان الأجداد يعزون بها أنفسهم في أنهم يبنون لأحفادهم أوطانًا سينعمون بها يومًا ويدعون لهم أثناء صلواتهم في المساجد والجوامع أو الكنائس والأديرة أو في مقرات الأحزاب الوطنية التي كان هدفها بناء دولة المواطنة التي يتساوى بها الجميع. هذا ما ناضل من أجله الأجداد أثناء نضالهم في حروب الاستقلال عن الاستعمارين العثماني والغربي الفرنسي والبريطاني.

الرؤساء الذين كانوا من يعبرون عن حلم وحقيقة الأجداد حينها في أنهم خير من يمثلهم في داخل وخارج الوطن.

فكانوا لا ينطقون عن الهوى لأنهم يمثلون صوت الشعب. إذ، حينما كانوا يتكلمون فهذا ما يعنيه أن الشعب يتكلم وليس الشخص وبنفس الوقت كانوا يعبرون عن وحدة الوطن ومن يمثل الدولة والعلم والدستور “الذي خطه لنا الفرنسيين والبريطانيين”.

وراح يصفق الأجداد والآباء ونصفق نحن لكل كلمة كانوا ينطقونها وفي كل زيارة كانوا يقومون بها وكأنهم حققوا النصر المؤزر وحررنا فلسطين من العدو الاسرائيلي الغاشم. وكأن كل مشاكلنا قد تم حلها ولم يعد أمامنا سوى قضية واحدة وهي تحرير فلسطين. هكذا علمنا الأجداد في أنهم في كفاحهم قد حلوا كل القضايا والمشاكل التي كانت تعترض طريقهم ولم يعد من مشكلة إلا واحدة فقط وهي فلسطين حتى باتت وأمست الشغل الشاغل للأجداد والأحفاد.

ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين وما نعيشه من حالة فوضى من كل النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية حتى وصلنا لمرحلة أن يقتل الكل فيها الكل. وراحت كمية الاسئلة تنهار على رؤوسنا في ما نعيشه واسباب هذه الفوضى.

وكانت البداية في محاربة نظمنا ومن يتربع على عروشها من حكام كانوا قبل فترة من الذين لا ينطون عن الهوى ويمثلون الشعب، لكنهم أمسوا بين ليلة وضحاها من الخوارج والعملاء والديكتاتوريين الذين يجب أن يتم خلعهم ومحاسبتهم أو قتلهم على الجرائم التي اقترفتها أيديهم. وتحول هؤلاء الحكام الأخيار إلى أشرار ومن شبه آلهة صنعها أجدادنا لنا ورحنا نأكلها ونحطمها على أنها ليست سوى أصنام يجب كسرها وعدم عبادتها وكأن سيدنا ابراهيم قد عاد من جديد في هيئة الشعب.

نحارب حكامنا ونعمل على تقسيم بلادنا واستجداء اعداءنا الذين كنا نلعنهم لأنهم سبب نقمتنا. تحول الحكام والوطن والعلم والوطن إلى أعداء نهرب منهم ونقطع البحار للوصول للبرّ الآخر، وأصبح من كانوا أعداء الأمس إلى أصدقاء نتوسل الرحمة منهم كي يخلصونا من حكامنا الذين كان يقدسهم أجدادنا. صراع من نوع جديد ولا يمكن اختصاره بين الغرب والشرق أو بين الهلال والصليب، بل تعدى ذلك إلى أن وصل لمرحلة أن يقوم الأحفاد بمحاربة الأجداد وما صنعوه لنا.

العراق وسوريا واليمن والجزائر والسودان وليبيا ومن سيلحقه الدور جلهم كانوا من الآلهة التي تحطمت على يد الأحفاد مما صنعه الأجداد وتستمر المسرحية حتى بناء آلهة جديدة لعصر جديد، وربما سيكون من نصيب أحفادنا نحن من سيعمل على هدم ما نبنيه الآن على أنه من المقدسات إن لم نتعظ من تاريخنا الذي لم نكتبه نحن.

ربما يمكننا القول أن التجربة الفتية التي تتشكل في الشمال السوري في بناء مجتمع جديد هي بارقة الأمل التي ستكبر يومًا ما لتُخرجنا من الدوامة التي نعيشها وكذلك الفوضى وتعيدنا إلى ذاتنا وهويتنا كي نكتب نحن تاريخنا من جديد وليس الآخر. إنها تجربة تستحق البحث لأنها تمتلك فلسفة جديدة في بناء الانسان والمجتمع المعتمد على نفسه وليس على الآخر. مجتمع يكون فيه الانسان هو أساس بناء المجتمع الحر على أساس أخوة الشعوب والعيش المشترك، وليس على أساس التعصب القوموي والتشدد الدينوي.