العلاج بالفن

العلاج بالفن

بقلم: جريج سيدجويك، المؤسس والمدير التنفيذي لمعرض جاليري ون

حازت ظاهرة كتب التلوين الخاصة بالكبار على شعبية واسعة وانتشرت تقريباً في كافة متاجر الكتب، وذلك بفضل مفهومها الذي ينظر إلى الفن كأسلوب علاج. ونجحت الفنانة جوهانا باسفورد في قيادة هذه الموجة الإبداعية بعد أن حقق كتابها بعنوان “الحديقة السرية” (Secret Garden) نسبة مبيعات قياسية تجاوزت 10 مليون نسخة في 40 دولة، واستأثرت الصين وحدها بـ 3 ملايين نسخة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من نشر الكتاب هناك عام 2015. ورغم حالة الفتور التي أصابت هذا التوجه الفني بعد العام 2016، ما تزال كتب التلوين الخاصة بالكبار تلقى رواجاً كبيراً وحافظت على دورها الفعّال في زيادة معدلات بيع الكتب الورقية على حساب نظيرتها الإلكترونية. وقد طال تأثيرها متاجرنا التابعة لعلامة ’جاليري ون‘ والمنتشرة على امتداد منطقة الخليج العربي؛ إذ تم بيع آلاف النسخ من مؤلفات باسفورد.

 

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التمييز بين الفن كعملية علاجية وفن تلوين الكتب. فمن المؤكد أن تلوين الخطوط المرسومة مسبقاً قد يخلصنا من التفكير بهموم الحياة،  ويقدم أعمالاً فنيةً تحمل في ثناياها قيماً جماليةً جذابة. كما يساعد تلوين الرسومات الجاهزة على الاسترخاء والتخفيف من حدة التوتر، ويمنحنا تجربةً فريدةً تستحضر المشاعر الطفولية التي يحملها كلّ منا في داخله. ومع ذلك، تعرّف جمعية العلاج بالفن هذا التوجه بأنه “منهجية تساعد من يزاولها على تعزيز مقومات الصحة العقلية من خلال الاستفادة من خواص العلاج الفني، واستخدام الوسائل الفنية والعمليات الإبداعية وما ينتج عنها من ابتكارات لاستكشاف المشاعر والبحث عن حلول فعّالة للصراعات العاطفية وتعزيز الوعي الذاتي والتحكم بالسلوك وعلاج الإدمان وتطوير المهارات الاجتماعية وتحسين الواقع، إضافةً إلى التخفيف من حالات القلق وتعزيز الثقة بالنفس”. أي أنها حالة غامرة تتخطى مسألة التلوين.

 

ومن ناحيةٍ أخرى، يبرز مفهوم العلاج بالفن في نظريات سيجموند فرويد وكارل يونج التي تناقش موضوع اللاوعي النسبي والمطلق، وتعتقد بأن الرموز البصرية والصور تمثّل إحدى مسارات التواصل التي يمكن إدراكها بسهولة تامة. وغالباً ما يمزج الخبراء بين العلاج بالفن وأساليب العلاج التقليدية لابتكار حلول مفيدة خاصةً للأطفال أو البالغين ممن يفتقرون إلى المفردات وأدوات التعبير اللفظي. وعلى الرغم من عدم امتلاكي المؤهلات الكافية في عالم العلاج النفسي، إلا أنه يمكنني التفكير في عدة أسباب تجعل من الفن أداةً فعّالةً في مجال الصحة النفسية.

 

  1. يشكّل الفن ملاذاً مثالياً للتعبير عن المشاعر

تجتاحنا في بعض الأحيان مشاعر جياشة لدرجة لا يمكننا التعبير عن ماهيتها. وحدها الأدوات الفنية الأساسية يمكنها الكشف عن حقيقة ما نشعر به من أحاسيس مفرطة كالغضب والخوف والشوق. كما أن الرسومات البسيطة قادرة بشكل أو بآخر على أن تعكس شخصية مؤلفها وتكشف في كثير من الأحيان عن عمق المشاعر تجاه الأشخاص أو الأماكن أو التجارب الخاصة.

 

  1. التعبير الصامت

يشكّل إنتاج الأعمال الفنية وسيلةً للتعبير أكثر أماناً من الكلمات. إذ يتيح العلاج بالفن لمزاوليه التعبير عن أزماتهم العاطفية بوضوح دون البوح بمكنوناتهم. ويعتقد الفنان وخبير العلاج بالفن، دنيس براون أنه “عند ممارسة الفنون؛ يتغير اتجاه التركيز نحو القسم الأيمن من الدماغ، ونبدأ عند ذلك بالتخلي عن وظيفة القسم الأيسر والمسؤولة عن التحليل المنطقي. وتقودنا العملية الإبداعية التي تنشط في القسم الأيمن إلى استنهاض احساسنا النقدي واحتواء الفعل الإبداعي. وهذه الخطوة لا تتعلق بالإنتاج، وإنما تتعلق دوماً بالعملية الإبداعية بحدّ ذاتها. يقدم العلاج بالفن طريقةً مثاليةً لإبراز العواطف دون الحاجة للجلوس والتحدث حول المشاعر.  فمن خلال الفن يبدو تمثيل العواطف الجيّاشة أمراً أكثر سهولة من اللغة”.

 

  1. الإبداع يخفف التوتر

يشعر الجسم بالاسترخاء عندما يركزّ العقل في ابتكار عملٍ فني أو تلوين رسوم جاهزة أو تطوير أنماط متكررة كما في التشكيلات الزخرفية. وبتحفيز القسم الأيمن من الدماغ، يمكن إيقاظ الذات الإبداعية وإطلاق العنان للخيال والقوى الغريزية والرؤى التصويرية، ما يقودنا للوصول إلى حالة أكثر وضوحاً لاكتشاف ذواتنا. وكنتيجة لذلك؛ يقل التوتر وتزداد مشاعر السعادة والسلام الداخلي.

 

  1. استكشاف الذات

يمكن للغرائز الإبداعية أن تشكّل نوعاً من الإلهام. وهكذا نتعلم تفسير تفضيلاتنا الفنية. وكلما تعلمنا أكثر، أصبحنا أكثر انفتاحاً حول النتائج. فاكتشاف الألوان والحركات والأدوات الفنية المناسبة لنا (من لوحات تشكيلية ملونة، أقلام، أقلام رصاص، صلصال، تصوير فوتوجرافي) يساعدنا في استعمال الفن كنوع من العلاج الشخصي ومصدر للتخفيف من التوتر.

 

وكشخصٍ يعمل في المجال الإبداعي،  دائماً ما أجد صعوبةً في إيجاد الإيقاع المناسب للبدء في ابتكار عمل فني. فهنالك حاجز داخلي في كل منّا يهمس في آذاننا أن النتيجة لن تكون كما نشتهي، أو أن أفكارنا الإبداعية غير جديرة بالمحاولة. وعلى مدى سنوات طويلة من الممارسة، عوّدت نفسي أن أبدأ العمل بأي طريقة ممكنة. وهكذا أصبحت عقبة البداية أقل صعوبة مما هو متوقع. وانطلاقاً من اعتقادي بأهمية الإبداع والتصميم كقوة تلعب دوراً في تغيير العالم الخارجي؛ لا أجد سبباً يمنعني من افتراض تأثيره العميق في ذواتنا أيضاً.

 

للمزيد من المعلومات، يرجى زيارة الموقع الإلكتروني: www.g-1.com