فاروق جويدة: أغنيات للوطن 

توقفت مدارسنا منذ زمن بعيد عن بعض التقاليد الجميلة التى نشأنا عليها..لم تكن تحية العلم مجرد وقفة صباحية نشاهد فيها ألوانه الزاهية وهى ترتفع فى السماء..

كان العلم يحمل أكثر من معنى.. انه شموخ الوطن ورفعة شعبه وإحساس دائم بأن يظل مرفوع الجبين..لم يكن العلم سارية وقطعة من القماش بألوانها المضيئة ولكنه كان إحساسا بالولاء والانتماء والحب، لم يكن الوطن قطعة ارض نعيش عليها أو فندقا نسكن فيه ولكنه كان العمر والعطاء والذكرى..

فى هذه الأرض كبرت أحلامنا وفيها عشنا طفولتنا وشبابنا وحملتنا الأيام لنجمع من أركانه ذكريات عمرنا.. فى هذا التراب قبر أبى وأمى وشهداء كانوا أكثر نبلا ووفاء ومنحوا الحياة أقدس ما فيها وهى الشهادة..تعجبت كثيرا حين رأيت بعض الأساتذة فى الجامعات والمدرسين وبعض رجال الدين يرفضون تحية العلم ولا أدرى أى علم حصل عليه هذا الأستاذ حتى يرفض تحية وسام على صدر وطنه..فى زمان مضى كانت قلوبنا ترتجف ونحن نسمع أم كلثوم وهى تغنى «وقف الخلق ينظرون جميعا»..

وكنا نغنى مع عبدالوهاب «مصر ناداتنا فلبينا نداها».. والنهر الخالد كانت هذه الأغنيات تمثل جزء عزيزا من عمرنا وكانت تحية العلم صرخة حب لأرض نحبها وننتمى إليها..تعجبت كثيرا أن مدارسنا تجاهلت لسنوات طويلة تحية العلم فى الصباح والنشيد الوطنى الذى كنا نتغنى به ونحن نستقبل يوما جديدا..كيف نسى المسئولون طوال هذه السنوات هذه الأشياء التى شكلت وجداننا وعشنا معها طفولتنا وكان «حب الوطن» أغنية نرددها كل صباح..إن الوطنية ليست شعارات نرددها أو يطلقها البعض ولكنها مشاعر تكبر فينا وتصبح أشجارا تظللنا وتمنحنا ثمارها من الانتماء والولاء..

إن الإنسان الذى يخجل من تحية العلم لا يستحق الوطن الذى يعيش فيه..وحين خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة قال «يا مكة انى لأعلم انك أحب بلاد الله إلى وأكرمه على الله ولولا أن اهلك اخرجونى ما خرجت»..

قالها الرسول عند الهجرة وهو يدرك قدر الوطن الذى أحبه وعاش فيه..إن الأوطان ليست رحلة عمر قصيرة نعيشها ولكنها تاريخ وعمر وحضارة وتحية العلم ونشيد الصباح وأغنيات الوطن كلها مشاعر نحملها لأرض حملت أجمل ذكرياتنا..إن للأوطان حرمة. نقلا عن صحيفة الاهرام