إدراج الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين

ايجى ٢٠٣٠ / محمود عبد القادر  :

مقتطف من خطاب وزير الشؤون الخارجية الدكتور س. جايشانكار بشأن  إدراج الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين (10 نوفمبر 2023(
اسمحوا لي أن أقول لكم إنه من دواعي سروري أن أرحب بكم جميعا هنا أثناء اجتماعنا معًا للاحتفال والتعبير عن تقديرنا لأهمية العضوية الدائمة للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين. ولكي نفهم ذلك حقًا، أعتقد أنه من المهم أن نفكر في الرحلة التي قطعتها الهند وأفريقيا معًا. إنها ليست رحلة جديدة، إنها رحلة بدأت في فترات تاريخية متعددة. ولكنني أعتقد أننا بالتأكيد كنا منذ القرن الثامن عشر منطقتين تأثرتا بقدوم الاستعمار إليهما. وكما ناضلنا ضد الاستعمار في القرن التاسع عشر، كان من المنطقي أن يشهد القرن العشرين نضالات من أجل الحصول على الاستقلال، وقد أدت نتائج الاستقلال في الواقع إلى تصحيح الأوضاع في الجزء الخاص بنا من العالم كما حدث في أفريقيا.
وأعتقد أن مصائرنا كانت مترابطة بطرق عديدة، ومن المؤكد أنها أثرت في بعضها بعضا. لقد تعلمنا الكثير من النضال الذي حدث في أفريقيا، وأنا متأكد من أن ما حدث في الهند قد أثر أيضًا على العديد من البلدان والمجتمعات الأفريقية. إننى أبدأ حديثي من هذا المنطلق لأنه كان هناك دائما اعتقاد، وأود أن أقول إنه يمثل مبدأ أساسي تقريبًا في السياسة الخارجية الهندية، وهو أن استقلالنا لن يكتمل بدون استقلال أفريقيا، وأن تنميتنا لن تكتمل بدون تنمية أفريقيا، وأن نهضتنا لن تكتمل ولن تكون ثابتة إلا عندما نرى أيضا صعود أفريقيا. لذلك، أود أن أقول أن ما يربطنا ليس فقط تضامنا، وليس مجرد المصالح المشتركة، ولكن شيئًا أعمق بكثير، وهو يتمثل في ادراك أنه من خلال تحقيقنا لتطلعاتنا وأهدافنا سيحدث إعادة توازن في العالم. وأنه عندما نتحدث عن عالم متعدد الأقطاب، فإن العالم متعدد الأقطاب بالنسبة لنا سيكون متعدد الأقطاب عندما تكون أفريقيا أيضا أحد أقطابه.
أصحاب السعادة،
قد يتذكر الكثير منكم أنه بعد وقت قصير جدًا من تولي رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه في عام 2014، قمنا بعقد قمة منتدى الهند وأفريقيا الثالثةIAFS III في نيودلهي في عام 2015. وكانت القمة الأكثر طموحًا في سلسلة قمم هذا المنتدى. وأذكر ذلك لأنه على الرغم من انتشار فيروس كورونا، فقد وفينا إلى حد كبير بالتزاماتنا في قمة منتدى الهند وأفريقيا الثالثة، ولكن أيضًا نطلب دعمكم، أصحاب السعادة، بشأن الحاجة إلى عقد قمة منتدى الهند وأفريقيا الرابعة. كما أعرب رئيس الوزراء مودي عن التزامه الشخصي خلال زيارة قام بها إلى أفريقيا في عام 2018، بأن أولويات أفريقيا هي أولويات الهند. وأننا سنسترشد بمصالح أفريقيا، وسنعطي بالتأكيد في سياستنا الخارجية مكانة خاصة جدًا لأفريقيا.
كما أود أيضًا أن أشير إلى أن توجيهات رئيس وزرائنا قد تضمنت ضرورة أن تعكس سياستنا الخارجية سياستنا الداخلية، وأن سياستنا الداخلية تعتمد على تقدير التنوع والتعددية، والتركيز بشكل خاص على الشمولية، والالتزام بالعدالة الاجتماعية مع التركيز على الضعفاء وضمان عدم ترك أي شخص خلف الركب.
لقد كانت هذه النقاط في الواقع هي المبادئ التي كانت تقوم عليها سياستنا الخارجية خلال العقد الماضي. لذلك، عندما نقول اليوم إن الهند ترغب في أن تكون “صديق العالم”، فإننا نعني تحقيق ذلك على الأرض بكل ما تحمله الكلمة من معنى تمامًا مثلما نطبقه على الأرض داخل الهند. فنحن نعمل داخل الهند على الوصول إلى ذلك من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، والإنصاف، والمساواة، وحق الجميع في الحصول على حقوقهم، وتوافر السلع بكلفة في قدرة الجميع. وهذه هي بالضبط الأهداف التي نسترشد بها في نهجنا في التعامل مع الشؤون الدولية.
ومن خلال تدشين قمة صوت الجنوب العالمي، فإننا نشير بوضوح شديد لأعضاء مجموعة العشرين بأن هذا الموضوع سيكون هو الموضوع الرئيسي طوال مدة رئاستنا للمجموعة.
والآن، عندما أوشكت فترة رئاستنا لمجموعة العشرين على الانتهاء، أود أن أقول إنه كانت هناك ثلاثة محاور رئيسية شغلت حيزا كبيرا من فكرنا. أحد هذه المحاور هو كيفية جعل أجندة مجموعة العشرين تركز على أفريقيا، والجنوب العالمي. لذا، تبادرت إلى أذهاننا عدة أسئلة: كيف ينبغي أن تسير المشاورات و المداولات، وما هي النتائج المرجوة، وكيف يمكننا القيام بذلك بطريقة تكون ذات تأثير أكبر بكثير مما كان عليه الحال في الماضي. وكانت هناك نقطة أخرى هي منح مقعد دائم في مجموعة العشرين للاتحاد الأفريقي.
أما المحور الثاني الذي تبادر إلى ذهني فكان هو موضوع الأمن الغذائي. لقد كان عام 2023 هو العام الدولي للدخن، وهي حملة نفخر بالترويج لها كثيرًا في الهند. وتلك المبادرة كان يدعمها رئيس الوزراء شخصيًا، وأعتقد أن كل واحد منكم، بما في ذلك السادة الحضور معنا في غداء اليوم، أصبح على دراية تامة بمدى فعالية مذاق الدخن وقيمته الغذائية. وخلال رحلاتي إلى أفريقيا، اندهشت بصورة كبيرة لمدى استخدامكم للدخن في تقاليدكم الغذائية بنفس القدر الذي هو عليه في تقاليدنا الغذائية. وبينما نكافح اليوم في ظل ضبابية الموقف بشأن الحصول على الغذاء وتوافره في ظل ما رأيناه من مشكلات متعلقة بإمدادات القمح والأرز على مستوى العالم حتى خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاعتماد على الدخن وإنتاجه يمكن أن يمثل خطوة كبيرة وجريئة بل ومؤثرة في مجال الأمن الغذائي على الصعيد العالمي.
وأود أن أنتهز هذه الفرصة لتقييم المرحلة التي وصلت إليها العلاقات بين الهند وأفريقيا اليوم. إن تجارتنا مع أفريقيا اليوم تتجاوز 100 مليار دولار أمريكي وهي في الواقع متوازنة إلى حد ما من حيث الميزان التجاري. وتستفيد 27 دولة أفريقية من الدول الأقل نمواً من التعاملات التجارية المعفاة من الرسوم الجمركية، ونتوقع أن تتضاعف حجم هذه التجارة خلال العقد القادم. ولا يقتصر الأمر على التجارة فقط، فالهند من بين أكبر خمسة دول مستثمرة في أفريقيا. وتقدر استثماراتنا في أفريقيا بما يزيد على 80 مليار دولار أمريكي. كما تم افتتاح العدد الأكبر من مقار سفاراتنا الجديدة في دول أفريقيا خلال العقد الماضي. ولم يقتصر الأمر على السفارات فقط، فقد تم مؤخراً افتتاح أول معهد هندي للتكنولوجيا في الخارج في أفريقيا. ونحن نرى أن علاقتنا في الواقع قوية للغاية و أن من شأنها أن تعيد التوازن إلى النظام السياسي العالمي الذي كان منحرفًا عن المسار الصحيح – من وجهة نظرنا- على مدى القرنين الماضيين.

أما فيما يتعلق بشراكتنا الإنمائية، فقد كنا دائما واضحين للغاية في أننا نستجيب لأولويات شركائنا. ويسعدني أن أقول إننا قمنا بالفعل بتنفيذ أكثر من 200 مشروع في أفريقيا، وبالتحديد 208 مشروع. والعديد من هذه المشروعات لها دور بارز للغاية في بلادكم. وكان لي شرف رؤية بعض هذه المشروعات في بلادكم. وكلما ذهبت في زيارة خارجية إلى دولكم، كان من حسن حظي أن أقضي بعض الوقت في أحد تلك المشروعات التي قمنا مؤخرا بتنفيذها. ولقد أحدثت تلك المشروعات فارقًا حقيقيًا في حياة الناس، ومن بينها مشروعات في مجالات: الزراعة والمياه والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والحوكمة. لذلك نحن فخورون بذلك حقًا. ولقد قمنا أيضًا باستمرار، وهذا جزء من تاريخنا، بالمساهمة باستمرار في بناء القدرات أبناء الدول الأفريقية. لذلك، حتى بعد الدورة الثالثة لمنتدى الهند-أفريقيا، قدمت الهند أكثر من 30000 منحة دراسية لأبناء الدول الأفريقية. وكلما كانت أفريقيا في محنة، مثلما حدث مع زملاؤنا في موزمبيق ومدغشقر ، أو العديد منكم خلال أزمة فيروس كوفيد أيضًا، كانت الهند تبذل قصارى جهدها للاستجابة من خلال عمليات المساعدات الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث. لقد كانت فترة انتشار فيروس كورونا اختبارًا خاصًا. وأنا سعيد لأننا لم نتمكن من المساهمة في تقديم اللقاحات من خلال تجمع كوفاكس فحسب، بل تمكنا أيضًا في كثير من الحالات من القيام بذلك بشكل ثنائي بإمداد الدول باللقاحات المصنوعة في الهند.
لذلك، أعتقد اليوم أن ما حدث في مجموعة العشرين هو خطوة واحدة، وهي وإن كانت خطوة مهمة للغاية، ولكنها خطوة واحدة على طريق الشراكة الأكبر الذي بدأ يتكشف أمامنا واكتسب العمل على هذا الدرب زخمًا كبيرا خلال العقد الماضي. وبينما نتطلع للمضي قدما خلال العام المقبل، 2024، فسوف يتم عقد قمة حركة عدم الانحياز في أفريقيا. وسنعقد قمة مجموعة الـ 77 في أفريقيا. ويجب على الهند وأفريقيا أن يعملا معًا بشكل وثيق في مؤتمر “القمة من أجل المستقبل”، لأنني أعتقد أننا، باعتبارنا من المجموعات السكانية في العالم التي يغلب على تركيبتها الشباب، فإن لدينا مسئولية أكبر عندما يتعلق الأمر بالمستقبل. ومن المهم أن نقوم بالضغط سويا لدفع قضية جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030 قُدما للأمام، وأن ننسق كذلك بشأن موضوع إصلاح الأمم المتحدة، وأن نسعى جاهدين لجعل العالم أكثر استجابة لصوت الجنوب العالمي.
***