سر السعادة

سر السعادة

أحمد نجم
ذات يوم تلقيت اتصالا هاتفيا من الفنانة الجميلة ليلى علوي عقب انتهاء حلقة من برنامج فوق ما تتصور الذي كنت أقوم بإعداده على قناة المحور منذ سنوات. الفنانة الرقيقة تعاطفت مع قصة حالة عرضناها لسيدة عجوز طردها نجلها من شقتها إلى عشة فوق سطح المنزل ليخلو له المكان ويتزوج فيها، وطلبت عنوان السيدة لترعاها مدى الحياة وأكدت لي أنها ستكون سعيدة جدا حين نذهب إليها و أعطيتها ما طلبت واعتذرت لها عن عدم مرافقتي لها لسفري في نفس اليوم .

ولم تمض دقائق حتى تلقيت اتصالا من الفنانة الرقيقة سمية الخشاب تطلب نفس الأمر وأكدت لي أنها ستتولى السيدة بنفسها وقالت لي بالنص: إن روحي ستكون سعيدة حينما أقف مع تلك العجوز .

تعجبت في نفسي، إذ كيف تبحث النجمات عن السعادة والجميع يظن أنهن الأسعد في الدنيا بما يملكن وما هن فيه من نعيم، وتذكرت كلمات من أغنية الفنان العربي حسين الجسمي تقول عن سر السعادة :
حس معنى السعادة الحقيقي
كل فرحة نجاح في قلوبنا عيد
لما درس الحياة نقرأه نفيد و نستفيد
سر السعادة في بيتك تعال
وسط ناسك تعال
املأ قلبك أمان
هتملأ المكان سعادة وهنا ……

وأعترف أن الفضل في عنوان مقالي للصديقة الجميلة نهال زمزم التي تابعت لها بوست على الفيس يقول: سر السعادة أن تكون سعادتك سرا .

ومع اختلافي في مفهومها و لأن تفسير السعادة نسبي لكل منا . فالسعادة لا تتحقق إلا من خلال الآخرين والعمل على إسعادهم وهي مثل خيط ممتد من صانعه إلي مستخدميه فراحة القلب في سعادة الآخر وأن تشعر أن هناك قلبا يتمنى أن تكون دوما في سعادة وخير وأن يشعرك بضرورة وجوده بجانبك في كل الأوقات. و مفهوم وسر السعادة يراها الفلاسفة بأكثر من زاوية.
فالفيلسوف الانجليزي جون ستيوارت ميل اعتبر أن السعادة لا تأتي من الإغداق على النفس بالملذات بل بالعيش وفق مبدأ المنفعة العامة وهي الحد من رغبات الإنسان .

بينما يرى الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن هناك نوع من السعادة ينبع من العدالة الاجتماعية الناتجة عن قيام المرء بوظيفته الاجتماعية وبما أن هذا الواجب يشكل السعادة، فإن مصادر السعادة الأخرى مثل الراحة و الثراء و والمتعة هي أقل أشكال السعادة منزلة .

و السعادة عند الفيلسوف اليوناني أرسطو وهو تلميذ أفلاطون هي أن الفضيلة ضرورية للمرء من أجل ان يكون سعيدا وأن أكبر ما يمكن للمرء بلوغه دون فضيلة هو القناعة .و أن السعادة في العمل . وإن أسعد حياة هي حياة الفكر .

وبينما يختلف التفسير الروحي و الواقعي لمفهوم السعادة عند الكثير لا ينبغي أن نتجاهل أن الجينات الوراثية تختلف من جيل لآخر ومن شعب لآخر لكون الوجود الإنساني يختلف في طباعة ومفهومه من جنسية لأخرى . في أحيان تبدو السعادة لدى البعض في التوعية الإيمانية للروح بينما يري آخرون أن السعادة هي ضرورة اللذة في حياة الإنسان الذي يبحث عن المتعة دوما في كل شئ و تخضع المتعة لمبدأ الخير للجميع على الرغم من أنهم يختلفون في تفسيرها وموضوعها وحدودها . ولكون التفسيرات مختلفة لكن يبقى الإطار ثابت لترسيخ المعني .

فقيامك بتنقية ضميرك والتعامل بصدق مع الآخرين تشمل سعادة الروح . وقيامك بتنفيذ واجباتك العملية والأسرية بنقاء وطهارة ضمير وصدق من النفس هو سر من أسرار السعادة وقيامك بإحترام حرية الآخرين والحفاظ على مشاعرهم هي سعادة للنفس ينبغي ان نصل لمفهومها ونحققها .

أن تساعد فقيرا وتساند محتاجا وتشفي مريضا وتعامل جارك بإخاء وصدق وأن تتعامل مع ممتلكات الدولة بحرص وعناية لكي يستفيد منها غيرك هو سعادة للروح . أن تشعر أن لك قيمة مفيدة تفيد غيرك و تتبني سلوكا حضاريا في التعامل برقي ولسان طاهر هو قمة السعادة.

السعادة لن تكتمل إذا كانت في سرك تحيا داخلك فقط . فقيمة السعادة هي رد فعل الآخرين ، وقيمة الزهرة ليست في جمال لونها بل فيما تبثه من عطر يسري في ثنايا الروح و يسعد به من يدنو منها . السعادة ليست هي رصيدها في البنوك والإقامة في أماكن فاخرة وارتداء أبهى الثياب وتقلد أعلى المناصب .

السعادة هي خيوط انت بدايتها لتصنع منها نسيجا ينعم به الآخرون بحياة آمنة . السعادة في ابتسامة وكلمة حلوة تخرج من قلب صادق وتعامل راقي متحضر مع الآخر .. للسعادة بريق لا تراها إلا في عيون العاشق للمفهوم.