التعليم عن بُعد .. قصة نجاح سعودية في زمن الجائحة

التعليم عن بُعد .. قصة نجاح سعودية في زمن الجائحة

ايجى 2030 / محمود عبد القادر :
في الوقت الذي يحارب فيه أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة سعودية كورونا من منازلهم، يجد الطلاب السعوديون حصصاً لموادهم التعليمية حسب أعوامهم الدراسية، من خلال الخيارات التي أتاحتها عملية التعليم عن بُعد للطلاب والطالبات في أي وقت ومن أي مكان.

التعليم عن بُعد حقق نجاحات كبيرة داخل المملكة في زمن الجائحة .. هذا ما أكده معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ خلال افتتاح فعاليات ملتقى التعليم عن بُعد “التطلعات المستقبلية وفرص التطوير” عبر الاتصال المرئي، حيث قال “نستحضر في ملتقانا كل ما حققه التعليم عن بُعد في المملكة من نجاحات كبيرة في التعامل مع الجائحة، وتحويلها إلى قصة نجاح للوطن بلغة الأرقام، التي أصبحت شاهدة على منجز سعودي فريد ومنافس عالميا يتمثل في منصة مدرستي، و23 قناة تعليمية هي الأكثر عدداً على مستوى العالم، وتجارب رائدة ومميزة في استخدام المنصات التعليمية الأخرى في الجامعات، إلى جانب العمل المتواصل في بناء إنسان قادر على التكيّف مع الظروف والتحديات، ومنظومة تعليمية تعمل بكفاءة عالية، وتكامل مع الجهود الوطنية”.

شارك في الملتقى نخبة من الخبراء الدوليين والمهتمين بمستقبل التعليم الإلكتروني لمناقشة التحولات العالمية في التعليم عن بُعد؛ لرسم خارطة واضحة تستشرف المستقبل، واستثمار الموارد، وتعزيز الشراكات، وتمكين رواد الأعمال في مجالات التقنية والتعليم من الإسهام في تحقيق أهداف رؤية 2030، ودعا معاليه جميع المشاركين في هذا الملتقى للخروج بتوصيات ونتائج تصنع رؤية مستقبلية واضحة للتوسع في التعليم عن بُعد في منظومة المملكة التعليمية، وتحقق استدامته بجودة عالية، ومرونة قياسية تسهم في رفع كفاءة الإنفاق.

واستعرض الملتقى الذي عُقد في 11 ابريل الجاري الأنماط التعليمية المختلفة للتعليم عن بعد في العالم، بغرض الوقوف على التحولات التي تشهدها العملية التعليمية، وكيفية تعظيم الاستفادة من نموذج التعليم عن بُعد في الجامعات السعودية، وذلك من خلال جلسات نقاشية إلى جانب تنفيذ سلسلة من البرامج التدريبية في مجال التعليم عن بُعد، استفاد منها نحو ثلاثة آلاف متدرب ومتدربة من أعضاء هيئات التدريس وطلبة الجامعات.

لم تتوقف الجهود في طريق التطور بمنظومة التعليم عن بعد، فقد سبق ملتقى التعليم عن بُعد لقاء جمع معالي وزير التعليم د.حمد بن محمد آل الشيخ برئيس شركة مايكروسوفت العربية م.ثامر الحربي، والوفد المرافق له الذي زار المملكة في 5 إبريل الجاري، وتم خلال الاجتماع مناقشة مجالات التعاون والتنسيق المشترك بين الجانبين، واستمرار العمل على تطوير وتحسين خدمات منصة “مدرستي” بعد نجاحها العالمي في التعليم عن بُعد، إلى جانب تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين وزارة التعليم وشركة مايكروسوفت في دعم التحوّل الرقمي لقطاع التعليم في المملكة، وتعزيز تقنيات التعليم، بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030.. كما تناول الاجتماع فرص الشراكة مع مايكروسوفت لتعزيز آليات نقل المعرفة للطلاب والكوادر التعليمية في مراحل التعليم العام والتعليم الجامعي، واستدامة التعليم الإلكتروني بعد جائحة كورونا.

من جانبها أكدت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة لدى المملكة السفيرة ناتالي فوستية أن المملكة نجحت في التعليم عن بُعد خلال جائحة كورونا، واستطاعت أن تواصل الرحلة التعليمية لأكثر من ستة ملايين طالب وطالبة دون توقف، وابتكار أدوات وحلول تفاعلية مثل منصة مدرستي، وإتاحة 23 قناة تعليمية، وقناة على اليوتيوب.

وقالت ناتالي بمناسبة اليوم العالمي للتعليم إن انتقال المملكة للتعليم عن بُعد خلال ساعات من تعليق الدراسة؛ يمثّل قصة نجاح مميزة، داعية إلى دراسة وتوثيق الخبرة التي اكتسبتها المملكة في التعليم عن بُعد، والعناصر التي جعلته ناجحاً رغم ظروف الجائحة، وكيفية الاستمرار في تعزيز هذه الأساليب الجديدة، ومن ثم الترويج لذلك باعتباره ممارسة عالمية جيدة.

وأضافت أن الأمم المتحدة في المملكة سعيدة جداً أن تلاحظ القنوات الفضائية المجانية للفصول الدراسية، بما في ذلك ثلاث قنوات خاصة للطلاب ذوي الإعاقة، حيث يعد دمج الإعاقة محور رئيسي للأمم المتحدة على الصعيد العالمي، مشيرة إلى أن المملكة قدمت أمثلة رائعة لخطوات تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

في سياقٍ متصل نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD دراسة أجرتها حول التعليم عن بُعد في المملكة العربية السعودية، ومدى استجابتها للتعليم خلال جائحة كورونا مقارنة مع 36 دولة، وذلك بالتعاون مع برنامج تقييم الطلاب الدوليين وجامعة هارفارد الأمريكية.

وأظهرت النتائج تقدّم المملكة في 13 مؤشراً من أصل 16 مؤشراً على متوسط هذه الدول في مستوى الجاهزية، كما كشفت عن حصول المعلمين على دعم كبير للتغلب على عقبات تفعيل التعليم الإلكتروني، إضافة إلى وجود استراتيجية واضحة لدى وزارة التعليم في المملكة لإعادة فتح المدارس، وقياس أي فاقد ومعالجته.

واعتمدت الدراسة على البيانات الدولية المقارنة لاستكشاف مدى استعداد البلد للتعامل مع النتائج التعليمية للفيروس وكيفية تعامله مع إغلاق المدارس، وتنفيذ الدراسات الاستقصائية الدولية لمديري المدارس (TALIS)، وبرنامج تقييم طلاب المدارس (PISA)، وكذلك استبيان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD ) واستبيان جامعة هارفارد بشأن الردود التعليمية على برنامج Covid-19 الذي أنجزته حكومات 36 دولة (أبريل / مايو 2020).

وقد تم الانتهاء من جميع المسوحات الثلاثة في المملكة العربية السعودية، التي تناولت نتائجها بداية الاستعداد لإغلاق المدارس، واستعداد المعلمين وتكيّفهم للعمل بطرق جديدة، والتدريس عبر الإنترنت وتكييف أساليب التدريس مع ظروف ومتطلبات الجائحة، حيث كانوا أكثر تفاعلاً مع المعلومات والاتصالات من المعتاد في جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وكشفت الدراسة أن المعلمين ومديري المدارس في المملكة أكثر انفتاحًا للتغيير من الأقران في جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، إضافة إلى وجود تعاون نسبي في العمل التعاوني بين المعلمين وبين المدارس، مشيرة إلى وجود فرصة لتعزيز التعاون والمهارات الرقمية من خلال تقديم مستويات أعلى من التطوير المهني من خلال الدورات والحلقات الدراسية عبر الإنترنت. وتؤكد الدراسة أن المعلمين في المملكة كانوا مستعدين بشكل جيد نسبياً لإغلاق المدارس، بينما هذا لا يمكن أن يقال بالنسبة للطلاب بالمقارنة مع أقرانهم في جميع أنحاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث إن الطلاب في المملكة أقل عرضة للوصول بسهولة إلى الكمبيوتر ومكان هادئ في المنزل للدراسة، ولكن دافع التعلم لدى الطلاب أسهم بمواجهة التحديات والتغلب عليها من خلال شعورهم بدعم والديهم وأسرهم، وهي العلاقة التي تسعى المدارس لتعزيزها والحفاظ عليها لتحقيق أفضل النتائج، وتشير الدراسة إلى استمرار توفير التعليم في المملكة من خلال وسائل بديلة باستخدام التلفاز، وتوفيره عبر الإنترنت وتقديم حزم تعليمية متنوعة، بمتابعة مباشرة من حكومة المملكة لاستمرار العملية التعليمية، والوقوف على مستجدات التعليم والخطط التي عملت عليها وزارة التعليم بمشاركة المعنيين من مديري المدارس والمعلمين خلال مدة إغلاق المدارس، وكذلك عكست تجربة المملكة في التعليم عن بُعد الطبيعية التعاونية للعمل الوطني بشكل مميز، وذلك في مدى مشاركة المدارس وأولياء الأمور والمجتمعات المحلية من قبل المواطنين لاستمرار التعليم .

وتقدم الدراسة المزيد من الرؤى حول قدرة المدارس على تعزيز التعليم باستخدام الأجهزة الرقمية، حيث تشير بعض الجوانب إلى توفر أو جودة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بينما تشير جوانب أخرى إلى المعلمين وقدرة المدارس على دمج الأجهزة الرقمية في التعليم، وتضم القائمة المرجعية لموضوعات الدراسة حول التعليم عن بُعد الاستعداد والتحضير الجيد المتمثل في توفير الاستمرارية التعليمية خلال المرحلة الأولى من COVID-19، والتعلم من المرحلة الأولى للوباء، وتقييم التجربة لمعرفة أوجه القصور والتحديات والاحتياجات، إضافة إلى وضع ضوابط للحفاظ على التباعد المادي في المدارس وفي عمليات المدرسة والبناء، والقدرة على تنفيذها، وإنشاء نظام فعال للتعلم عن بُعد، ومساعدة الطلاب على تطوير المهارات التي يحتاجون إليها للازدهار والمشاركة في عالم الغد، وكذلك تعزيز الشراكات مع التكنولوجيا وشركات الاتصالات ووسائل الإعلام المختلفة لإيجاد بيئة تعليمية جاذبة، واستدامة وتعميق التطوير المهني للمعلم.