الخوف من النقاب!

بقلم ـ أسامة سلامة :
الشكر واجب للدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة السابق، الذى أخذ على عاتقه قضية منع عضوات هيئة تدريس الجامعة من ارتداء النقاب خلال المحاضرات، وفى سبيل ذلك تحمل الفقيه الدستورى متاعب كثيرة وتعرض لهجوم كبير من فئات نصَّبت نفسها حامية للإسلام وهى أبعد ما تكون عن فهمه وحكمته ومبادئه، ومنذ صدور القرار فى سبتمبر 2015 وقف الدكتور جابر مدافعًا بشجاعة عن موقفه، وعلى مدى أكثر من أربع سنوات حارب أستاذ القانون وحده ولم يجد من يصطف معه إلا عددا قليلا من المؤمنين بدور الجامعة والتعليم.

وأخيرًا جاء حكم المحكمة الإدارية العليا منذ أيام لينصفه ويؤكد على صحة قراره التنويرى والتعليمى الذى لا يخالف صحيح الإسلام؛ حيث قضت المحكمة برفض الطعون التى أقامتها 80 باحثة بالجامعة وعضوات بهيئة التدريس وطالبن فيها بإلغاء قرار حظر ارتداء النقاب على عضوات هيئة التدريس بالجامعة.

حيثيات المحكمة يجب أن تدرسها جميع مؤسسات وهيئات ووزارات الدولة وأن تفهم مغزاها، حيث تضمنت مجموعة من القواعد المهمة، مثل: «حرية الفرد فى اختيار ملبسه تندرج ضمن الحرية الشخصية التى كفلها الدستور، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة وهى تمارس فى حدود احترام الآداب العامة»، وأيضا: «إذا كان الأصل أن يتمتع الموظف العام بحرية اختيار الزى الذى يرتديه أثناء عمله بشرط أن يتوافر فى الزى الاحترام اللائق بكرامة الوظيفة، إلا أن هذه الحرية قد تحمل قيودًا تنص عليها القوانين واللوائح أو القرارات الإدارية أو العرف الإدارى أو تقاليد الوظيفة».

وفى الحيثيات كذلك: «قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية لم يتضمنا نصًا يلزم أعضاء وهيئة التدريس وغيرهم من المدرسين المساعدين بارتداء زى مخصوص، إلا أن المادة 96 من قانون تنظيم الجامعات ألزمتهم بالتمسك بالتقاليد الجامعية، ومن ثم فيتعين عليهم فيما يرتدون من ملابس احترام التقاليد الجامعية وأن يلتزم عضو هيئة التدريس بارتداء الروب الجامعى فوق ملابسه أثناء المحاضرات».

أما القاعدة الأهم التى أقرتها الحيثيات فهى: «كما أن قيام بعض عضوات هيئة التدريس بارتداء النقاب أثناء المحاضرات لا يتحقق معه التواصل المباشر بالمخالفة للقانون»، هذه الحيثيات تضع كل مؤسسات الدولة أمام اختبار يكشف مدى جديتها فى مواجهة التطرف والفهم الخاطئ للدين والتدين الشكلى، فهل سيكون لديها الشجاعة لإصدار قرارات بمنع النقاب فى العمل أم ستتجاهل الأمر وتضع «أذن من طين وأخرى من عجين» وتدعى أنها لم تعرف بحكم الإدارية العليا ولم تعلم بحيثياته، من المؤكد أن هذا الحكم النهائى غير القابل للطعن يمنح فرصة لمن يريد أن يمنع ارتداء النقاب أثناء تأدية العمل والقيام بالوظائف، والحيثيات ترد على كل معترض، والتخاذل يعنى وجود طابور خامس ضد تجديد الخطاب الدينى، وتطوير أنظمة وقواعد العمل والوظائف العامة، ومع تكريس الجمود والتخلف، مثلا يجب أن تنتبه مؤسسات التعليم أن هذا الحكم ينطبق عليها جميعًا، وعلى الجامعات العامة والخاصة تطبيقه، كما يجب أن تبادر وزارة التربية والتعليم بإصدار تعليمات مشددة للمدارس والحضانات الحكومية والخاصة بمنع ارتداء المدرسات للنقاب، الأمر نفسه ينطبق على وزارة الصحة التى من المفترض أن تمنع ارتداء الطبيبات والممرضات للنقاب، حيث ينطبق عليهن حيثيات الحكم وبالأخص قاعدة أن النقاب يمنع التواصل مع متلقى الخدمة، وهى القاعدة التى تجعل الحكم يمتد إلى كل مؤسسات الدولة التى تتعامل مع الجمهور، الكرة الآن فى ملعب هذه المؤسسات وعليها أن تتحلى بالشجاعة وتطبق الحكم القضائى، أما إذا تخاذلت هذه المؤسسات وجبنت فلا أمل فى الإصلاح وقل على الدنيا السلام.