مصر تحرر إفريقيا ثانية

مصر تحرر إفريقيا ثانية

بقلم : محمود حبسة

كثيرة هي الدلائل التي تؤكد أن رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، ليست أمرا عاديا، كثيرة هي المؤشرات التي تؤكد أن مصر بحق دولة رائدة، وأنها تمتلك من الرؤى والإمكانات ما يجعلها قادرة على إحداث تغيير وفرض واقع سياسي جديد، وهو ما تتضح وتتعدد ملامحه وإرهاصاته على أكثر من صعيد وأكثر من قضية، ويرصده بدقة المهتمون بالشأن الإفريقي، ولعل نجاح مصر في مواجهة التحديات التي بدأت مع رئاستها للاتحاد الإفريقي، يكشف عما لديها من الثوابت والرؤى ما يجعلها قادرة على الثبات ومواجهة التحديات أيا ما كانت وما تمتلكه أيضا من القدرات، ما يمكنها بالدفع بالقارة الإفريقية إلى بر الأمان مهما كانت العواصف والتحديات والصعاب، ثوابت الموقف السياسي المصري تأتي كخط فاصل للتفرقة بين ما هو حق وما هو باطل، بين الاستقرار والفوضى، بين الحرية والانفلات الأمني، بين الحفاظ على هوية الدولة والسقوط في أتون الحرب الأهلية وتداعياتها الخطيرة، بين الحفاظ على الاستقلال التي حاربت من أجله الشعوب الإفريقية سنوات طويلة ودفعت من أجله ثمنا باهظا وبين التبعية والخضوع لمخططات الهيمنة والسيطرة.

 

تؤمن مصر بأن الدولة الوطنية خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، وأن الحفاظ على الدولة الوطنية أولوية أولى، كما تؤمن في الوقت ذاته بحق الشعوب في الاختيار وتنحاز لاختياراتها في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها إفريقيا وشمالها العربي على وجه الخصوص، هذه القناعة وهذه الثوابت هي التي تحرك الموقف السياسي المصري، وهي التي توجه بوصلته وتدفع به تجاه الأحداث في أي بقعة من العالم، نعم للحفاظ على الدولة الوطنية، ونعم للشعوب عندما تختار، وعندما تثور، وعندما تنقلب بمحض إرادتها على حاكم مستبد وظالم أو فاسد، الثوابت هي نفسها التي حكمت الموقف المصري تجاه الأزمة السورية، ودفعت بمصر للاختلاف مع أقرب الحلفاء، فمصر تقود ولا تنقاد، لها رؤيتها ولا يملى عليها رؤى أو إملاءات أيا ما كانت وممن كان.

 

على صعيد القارة السمراء، كانت مصر على مستوى التحديات التي واجهتها، وكانت عند حسن ظن الأفارقة بها جديرة برئاستها للاتحاد، قادرة على القيام بمسؤولياتها تجاهه، هبت التحديات على القارة كالعاصفة مع تولي مصر رئاسة الاتحاد، لاسيما مع الأحداث التي شهدتها دولتان شقيقتان هما السودان وليبيا، في الأولى قام الشعب السوداني بثورة على حاكم فاسد وفاشل وكاذب، أضر بمصلحة بلاده وقاد السودان إلى التقسيم وإلى الانهيار الاقتصادي وإلى الفشل في قضية التنمية، رغم ما يمتلكه هذا البلد من قدرات وثروات طبيعية، وكان ألعوبة بيد أعداء الأمة من إسرائيل إلى تركيا، كما كان أسرع ما يكون إلى الاختلاف والتناحر مع أقرب جيرانه، حتى ولو على حساب المصلحة العليا لبلاده وقضية سد النهضة الإثيوبي خير مثال، فكان الانحياز لاختيار الشعب السوداني، الذي استمر خروجه ووقوفه في الشوارع والميادين لفترة تجاوزت الأربعة شهور، حتى كان له ما أراد وتمت الإطاحة بالبشير، ولأن مصر مع اختيارات الشعوب، وتؤمن بحقها في تقرير مصيرها وتساند سعيها نحو الحرية ونحو حياة أفضل فقد حافظت على استقرار السودان، وتعاونت مع السلطات الجديدة هناك، وحالت دون اتخاذ الاتحاد الإفريقي لنفس القرار الذي اتخذه في وقت سابق ضد مصر عام 2013 عندما لم يتفهم حقيقة ثورة يونيو ودوافعها، وكان أن دعت القاهرة الأسبوع الماضي لقمة تشاورية حول الأوضاع في السودان بمشاركة زعماء وممثلي 12 دولة إفريقية.

 

وفي ليبيا انطلق جيشها الوطني لتحرير البلاد والعباد من سطوة وسيطرة الجماعات الإرهابية وميليشياتها، وكان للقاهرة دور محوري في دعم ومساندة الجيش الوطني الليبي، ودعت أيضا إلى عقد قمة الترويكا حول ليبيا، في وقت يقف فيه المجتمع الدولي موقف المتآمر الذي يسعى لإطالة أمد الصراع في ليبيا بدعم كل أطراف الصراع فيه، ولم يكن الموقف المصري بدعم ومساندة الجيش الليبي وقائده المشير خليفة حفتر خافيا على أحد، بل كان في العلن وأمام الجميع، حيث استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي في القاهرة المشير حفتر، وأكد وقوفه مساندا للجيش الليبي، حفاظا على الدولة الوطنية الليبية من خطر الانقسام والتشرذم وللحيلولة دون تحويلها لقاعدة للجماعات الإرهابية، بل حالت القاهرة بمساعدة موسكو دون إصدار قرار من مجلس الأمن، يدين تحركات الجيش الليبي، ويطالب بوقفها.

 

لا تنحصر إيجابيات رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي على القضايا السياسية، رغم أهميتها وخطورتها فهناك أيضا قضايا التنمية، التي تتعدد ملامحها في العديد من الظواهر والمشاركات الإيجابية، لتحقيق حلم الشعوب الإفريقية في التنمية والازدهار والثراء، وهناك العديد من المشروعات القومية الكبرى التي تشارك فيها مصر في عدد من دول القارة، إضافة لنقل تجربة مصر في القضاء على فيروس “سي”، وكذا دعم ومساندة مصر للجيوش النظامية للدول الإفريقية، ودعم إمكاناتها وتطويرها والحفاظ على جاهزيتها، من خلال المناورات المشتركة والدورات التدريبية لجنود وضباط هذه الجيوش.

 

هذه هي مصر السيسي، التي تقود إفريقيا لواقع جديد وتدفع الاتحاد الإفريقي، أن يمتلك قراره أن يكون إفريقيا خالصاً غير تابع لأي جهة أو أن يملي عليه من الخارج، استكمالا لنفس الدور المصري المساند والمؤيد لتحرير القارة السمراء، حيث كانت ثورة يوليو الثورة الأم لكل حركات التحرر الإفريقية، وهذه هي ثوابت الموقف المصري والتي بلورها بوضوح الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأدركها القادة الأفارقة جيدا عندما تثني لهم التعرف على الرئيس وعلى آرائه وأفكاره خلال لقاءات وفعاليات عديدة شهدتها القارة، وخلال العديد من المشاركات المهمة في المحافل الإقليمية والدولية، واستمعوا لكلماته وهو يتحدث عن إفريقيا، وعن همومها ومشكلاتها وعن التهميش والتجاهل الدولي للقارة وقضاياها، بدءا من قضايا التنمية، وانتهاء بقضايا التحرر والاستقلال.