بعد استقالة ماتيس.. هل يقود ترامب انقلاب على الدولة العميقة؟

بعد استقالة ماتيس.. هل يقود ترامب انقلاب على الدولة العميقة؟

بقلم : السيد العادلى

حلقة جديدة من مسلسل الاستقالات التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية بعد تولي الرئيس الأمريكي ” المثير للجدل ” دولاند ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، حيث شهدت الساعات الأخيرة استقالة أحد أهم صقور البيت الأبيض “جيمس ماتيس” وزير الدفاع معلنا تنحيه عن منصبه في تأجيج جديد ضد السياسات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي ترامب ضد خصومه وحزبه الذي على حد سواء.

 

استقالة ماتيس تعد تطورا جديدا حول تماسك الإدارة الأمريكية ودور الرئيس في قراراته المثيرة، والتي كان آخرها الانسحاب العسكري المفاجئ من سوريا وترك الساحة لروسيا وتركيا في صفقة مشبوهة سيدفع ثمنها الأكراد في هذه المنطقة.

 

السؤال هنا .. هل يقود ترامب ثورة علي مفاهيم الحكم وانقلاب على الدولة العميقة التي دأبت على ترويج سياسات رؤساء أمريكا على أسس تحكمها المصالح؟

 

وهل نجح ترامب على هزيمة جماعات الضغط وصناع القرار بالولايات الأمريكية التي لم تعد متحدة كما يعتقد البعض، وما هو السبب الحقيقي وراء استقالة أكثر من 30% من فريق ترامب بعد أقل من سنتين من ارتدائه زي الرئيس هناك في الولايات الأمريكية وفق معاهد الأبحاث المختصة هناك.. فهل يقود ترامب حربا شاملة بين سياسية وإعلامية علي صقور الولايات المتحدة من أجل تنفيذ وعوده الانتخابية حتى ولو كان الثمن الإطاحة بأقرب الموالين له..!!.

 

وهل يكون الثمن إقالته وملاحقته قضائيا كما يردد كبار الساسة في الولايات الأمريكية.

 

– استقالة جيمس ماتيس وزير الدفاع في إدارة ترامب لم تكن الأولى في سلسلة الاستقالات أو الإقالات التي حدثت في أقل من عامين من حكم ترامب بل سبقه الكثيرون ومنهم .

 

1- مايكل فيلين الذي اتهم بتضليل المسئولين في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية خلال الفترة من 20 يناير الي 13 فبراير 2017م التي وصل فيها ترامب للحكم علي حساب منافسته ” هيلاري كلينتون”.

 

2- ستيف بانون كبير المخططين الاستراتيجيين في الفترة من 20 يناير حتى 18 أغسطس 2017 م الذي لعب دورا كبيرا في نجاح ترامب ووصله إلى كرسي الحكم في البيت الأبيض .

 

3- شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض في الفترة من 20 يناير حتي 21 يوليه 2017 م الذي استقال بعد قيام ترامب بتعيين مدير جديد للاتصالات.

 

4- أنطوني سكاراموتشي الذي استقال بعد 10 أيام فقط من تعيين مديرا للاتصالات بسبب تصريحاته لمجلة ” نيويوركر”.

 

5- جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ” أف.بي.آي ” أقاله ترامب علي خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.

 

6- ريكس تيليرسون وزير الخارجية في الفترة من 20 يناير 2017 م حتي 13 مارس 2018 م الذي أقاله ترامب بسبب اختلافات في قضية النووي الإيراني.

 

7- هربرت ماكماستر مستشار ترامب للأمن القومي في الفترة من 20 فبراير 2017 م حتي 22 مارس 2018 م.

 

8- أوما روسان نيومان مدير الاتصالات في الفترة من 20 يناير 2017 م حتي 13 ديسمبر من نفس العام والتي أقيلت وألفت كتاب ” المعتوه ” التي رصدت فيه فضائح ترامب في البيت الأبيض خلال فترة تواجدها بالبيت الأبيض.

 

 

9- نيكي هيلي مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة خلا الفترة من 20 يناير 2017 م حتي 9 أكتوبر 2018 م، بالإضافة ألي أكثر من 40 شخصية مرموقة غادروا البيت الأبيض لأسباب أخرى.

 

بالطبع استقالة مجموعة النسور من إدارة ترامب وآخرهم ماتيس الذي يطلق عليه الرجل المحايد بين الجمهوريين والديمقراطيين فتحت الباب أمام الحديث عن مستقبل ترامب الذي أصبح في خطر ووضع بلاده في مرحلة ” التقزم الانعزالي ” في سياسيتها الخارجية خاصة وأن استقالة ماتيس جاءت ردا علي قرار ترامب بانسحاب بلاده المفاجئ من سوريا تاركا الملعب السياسي لروسيا وحدها في تحديد شكل الأزمة السورية وحلها علي الطريقة الروسية وليست علي الطريقة الأمريكية الأوربية.

 

إذا تم تحليل الموقف بهدوء وقراءة المشهد داخل الولايات الأمريكية بعد عامين فقط من فترة حكم الرئيس ترامب ستجد أن استقالة او إقالة أهم نسور البيت الأبيض الأمريكي والحديث الأهم هنا علي “جيمس ماتيس ” الرجل الذي حافظ علي الوضع هادئا بين الجمهوريين والديمقراطيين ويري أن ترامب يريد تغيير السياسية الخارجية الأمريكية وتحويلها الي سياسة انعزالية كما قلت ويريد سحب القوة الناعمة لبلاده من الخارج واقتصارها علي الداخل الأمريكي فقط ويري أن هذه القوة هي أساس من أسس الهيمنة الأمريكية حول العالم وهي سبب قوة الولايات الأمريكية- استراتيجيا – عسكريا – اقتصاديا، وبالتالي فإن ماتيس لا يريد أن يكون جزء من هذا التحول غير المدروس في السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب .

 

كما أن قرار ترامب المفاجئ من سوريا دون أخذ رأي وزير دفاع الولايات الأمريكي أعتبره ماتيس اهانة شخصية له وقدم استقالته بسبب هذا التجاهل .

 

ولكن بشكل عام فإن هناك اتفاق عالمي علي ان مجيء ترامب للحكم في الولايات المتحدة الأمريكية جاء خارج الدولة الأمريكية وسياستها العميقة سواء كانت ديمقراطية او جمهورية وتمكن بتصويره للسياسة الأمريكية بأن الإدارات الأمريكية السابقة كانت خارجة عن المصالح الشعبية في الداخل الأمريكي فحاول اللعب علي مشاعر المواطنين الناخبين وضمان الولاء له وأعتقد أن هذا الأسلوب يشبه إلي حد كبير إدارة الانتخابات في مصر والعالم الثالث وهي سياسة اللعب علي وتر مشاعر الناخبين لكسب الولاء له بعيدا عن تأثير النجاح علي السياسة الخارجية للبلاد .

 

بجانب أن ترامب استخدم الإعلام الذي يمتلكه في محاربة الإعلام الأمريكي الآخر فاصطدم بجميع وسائل الإعلام كلها ماعدا التي يمتلكها والتي يعتبرها لسانه الذي يتحدث به وهو أمر غاية في الخطورة ونظرة قاصرة علي قصر نظره السياسي، فأصبحت الأكثرية الإعلامية ضد سياسات الرئيس الأمريكي وهو يري نفسه الآن أنه حقق غايته الانتخابية ونجح في تحقيق أهدافه والوصول إلي مقعد الحكم وهو يدرك جيدا أن السياسة الخارجية لبلاده لا تعني المواطن الأمريكي من قريب أو من بعيد، و يدرك أن الانسحاب او عدم الانسحاب من سوريا لا يهم المواطن الأمريكي تماما ولكنه يهتم بتحسين الوضع الاقتصادي له ويشدد علي أنه الرئيس الذي ينفذ وعوده الانتخابية معتمدا علي تحسين الوضع الاقتصادي للمواطن الأمريكي وبالتالي فإن الخلاف مع وزير الدفاع المستقيل جيمس ماتيس خلاف جوهري بين سياسة انعزالية التي يريدها ترامب وسياسة الانتشار الخارجي للقوات الأمريكية في شتي أنحاء العالم لحماية المصالح الأمريكية في الخارج والداخل أو علي طريقة كن مستعدا دائما للحرب .

 

في النهاية يمكن تلخيص الأوضاع في الولايات الأمريكية بعد أن وصل ترامب للحكم أنها تدار تحت سياسة المواقف المفاجئة سواء كانت مدروسة او غير ذلك خاصة وأن ترامب لم يكن له تجربة في الحكم حتى يأخذ قرار مدروس ولم يكن يوما حاكما لأحد الولايات الأمريكية ولم يكن يوما في مجلس الشيوخ الأمريكي او ممارسا للسياسة ولكنه كان ومازال رجل مراهنات واقتصاد محسوب علي مبادئ الخسارة والمكسب وبالتالي فإن ترامب نجح بالفعل في ان يجعل نوعا من أنواع النقمة علي الدولة العميقة في أمريكا التي تدعو لاحتلال دول الغير أو التواجد فيها علي الأقل ونجح في صناعة شعبية انتخابية تحقق له مصالحه الخاصة بعيدا عن مصالح الأمن القومي الأمريكي وتمكن من تجاوز غرفة صناعة القرار الأمريكي وأصبح منفردا بالقرار ويصدر قرارات صنيعة الوقت والاقتناع فقط وإقناع عامة الشعب الأمريكي بأنه يحافظ علي مصالحهم ويسعي لتحقيق وعوده الانتخابية للمواطن الأمريكي.

 

أتوقع خلال الفترة القادمة مزيد من الإقالات أو الاستقالات داخل الإدارة الأمريكية خاصة من الصقور التي تنتمي للدولة العميقة في أمريكا التي تعارض بشكل أو بأخر السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي ” ترامب ” خاصة وأنه مصمم علي السعي قدما في تحقيق وعوده الانتخابية من أجل الحصول علي أصوات الناخبين في الولاية الثانية للرئاسة في أمريكا وهو الأمر الذي يؤكد ان الرئيس الأمريكي الحالي استحدث سياسة جديدة تختلف كل الاختلاف عن سياسة الجمهوريين أو الديمقراطيين خاصة وانه يعلي ” بضم الياء وتسكين العين ” سياسة المصلحة الخاصة والوصول الي تحقيق أهدافه بعيدا عن مصالح الدولة العميقة التي تنتهجها السياسة الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبالتالي فإن هناك توقعات بوجود صدامات جيدة بين ترامب منفردا ومحتميا بالدستور والقانون الأمريكي ضد الصقور التي تحاول الإبقاء علي هوية الولايات المتحدة الأمريكية والوقوف في وجهه ترامب ومحاولاته تغيير سياسة بلاده الخارجية …!!.نقلا عن صدى البلد