الخبراء يصححون الأفكار الخاطئة حول الطاقة النووية

الخبراء يصححون الأفكار الخاطئة حول الطاقة النووية

ايجى 2030 /

في الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات على قدم وساق لبدء إقامة محطة الضبعة النووية، تسير مصر بخطى ثابتة في سبيل أن تصبح واحدة من أوائل الدول العربية ودول الشرق الأوسط التي تنضم للنادي النووي العالمي، بما يتيح لها استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية المتنوعة. وعلى الرغم من ذلك، تنتشر في المجتمع المصري عدة مفاهيم وأفكار خاطئة ومخاوف وقلق وشائعات غير صحيحة حول الطاقة النووية. ولكن مع دخول مصر الآن لمرحلة تنموية جديدة في تاريخها، حان الوقت للتعرف على تلك الأفكار الخاطئة وتصحيحها الواحد تلو الآخر من خلال حقائق علمية لا تقبل الشك أو التأويل.

 

1-  الفكرة الخاطئة: الطاقة النووية تلوث البيئة وتدمر صحة البشر، بينما سيقضي الوقود النووي والنفايات المشعة المستنفدة على التربة بما يعمل على تدمير امكانيات مصر الزراعية.

 

الحقيقة: محطات الطاقة النووية ليس لها أي تأثير سلبي على البيئة أو صحة الإنسان أو الحيوان، وذلك طبقاً لنتائج العديد من الدراسات التي أجريت على العاملين في المحطات النووية حول العالم لفحص حالتهم الصحية والتأكد من سلامتهم. وقد أشارت نتائج هذه الدراسات إلى عدم ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض بين هؤلاء العاملين مقارنة بالمواطنين العاديين. والأكثر من ذلك، هناك بعض المحطات النووية الموجودة داخل المحميات الطبيعية، مثل محطة باكس في المجر، ولكنها لم تتسبب في أي تدمير أو تلوث للحياة البرية والمحيط البيئي على الإطلاق.

 

في الوقت نفسه، يجب أن نتذكر أنّ الإشعاع هو ظاهرة طبيعية موجودة في البيئة من حولنا-والتي نطلق عليها ظاهرة الإشعاع الطبيعي أو “الخلفية الإشعاعية”- في كل الأوقات. أما عن مستوى الإشعاع في المناطق المحيطة بالمحطات النووية فيتم التحكم فيه بشكل صارم طبقاً لأعلى المعايير العالمية، بحيث لا يزيد عن الإشعاع الطبيعي في أي وقت. ففي الحقيقة، تتزايد مستويات الإشعاع الطبيعي عند الارتفاع عن الأرض، وهو ما يعني أنّه يجب عليك أن تعيش بجانب احدى المحطات النووية العاملة لمدة عامين متواصلين كي يتعرّض جسمك لنفس كمية الإشعاع الطبيعي التي دخلت جسمك خلال عطلتك الجبلية التي استغرقت أسبوعين.

 

من ناحية أخرى، يتعرض الجسم البشري عند خضوعه لكشف كامل بالأشعة لجرعة تعادل حوالي 30 مرة حجم الجرعة الإشعاعية التي يتعرض لها نفس الشخص إذا عاش بجوار محطة نووية لمدة عام متواصل. وبالطبع لا يعني ذلك أنّ التعرض للأشعة التشخيصية أو الذهاب في نزهة جبلية يُشكّل تهديداً لحياة الإنسان أو صحته، ولكننا أردنا من هذه المقارنة أنّ نؤكد على المستوى المنخفض للغاية من الإشعاع الناتج عن محطة نووية عاملة، عند مقارنته بأنشطة يومية نمارسها جميعاً. كل ذلك بالطبع دون أن نتطرق لنقطة أخرى وهي مستويات الإشعاع المسموح بها عالمياً.

 

أما فيما يتعلق بالوقود النووي المستنفد والنفايات النووية، فنشير إلى أنّ التعامل معها وتداولها يتم وفق معايير عالمية صارمة للغاية، بحيث يتم تفادي اي اتصال بينها وبين البيئة، مع تلافي أية مخاطر لها على صحة الإنسان والحيوان وسلامة التربة والمياه والهواء. ليس ذلك فقط، بل أنّ المحطات النووية لا ينبعث منها غاز الاحتباس الحراري أو أية انبعاثات أخرى تضُر بالبيئة، وهو ما يجعل من الطاقة النووية مصدراً للطاقة النظيفة والصديقة للبيئة، حيث تساهم الطاقة النووية في تجنب  انبعاث من 1.2 إلى 2.4 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، طبقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإذا أخذنا في الاعتبار أنّ الغابات الشمالية (غابات التايجا) في العالم تستهلك حوالي 1 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، سيتضح لنا أنّ الطاقة النووية تمثل عاملاً رئيسياً في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم.

 

ويوضح د. عبد العاطي سلمان، رئيس هيئة المواد النووية الأسبق، تلك النقطة بقوله “إذا كنا نتحدث عن البيئة، فإنّه من المعروف علمياً أنّ مفاعلات الطاقة النووية لا تنبعث منها أي غازات ضارة بالبيئة بأي كميات مؤثرة، مقارنة بالغازات المنبعثة من محطات توليد الطاقة التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري. ويُعد غاز ثاني أكسيد الكربون من أكثر الغازات الملوثة للبيئة، حيث يتسبب هذا الغاز في ظاهرتي التغير المناخي والاحتباس الحراري من خلال زيادة درجة حرارة كوكب الأرض بصورة عامة. ولهذا أؤكد أن محطات الطاقة النووية تمكنت من تقليل الخلل البيئي الناتج عن الانبعاثات الضارة في الفترة من 2008 وحتى 2012 طبقاً لبروتوكول كيوتو الذي شدّد على ضرورة تقليل الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة. إنّ حماية البيئة لم يعُد نوعاً من الترف، ولكنها قضية هامة للغاية للبشرية والبيئة على حدٍ سواء”.

 

2-  الفكرة الخاطئة: في الوقت الذي تتمكن فيه محطات الطاقة النووية من الصمود أمام الكوارث الطبيعية، إلا أنها تظل ضعيفة في مواجهة الخطأ البشري والذي قد تنتج عنه نتائج كارثية بالغة الخطورة.

 

الحقيقة: لا توجد أي تكنولوجيا في العالم آمنة من الأخطاء بنسبة 100%، إلا أنّ محطات الطاقة النووية الحديثة تمثل أكثر المنشآت الصناعية أماناً في العالم في الوقت الحالي. إنّ كافة المحطات النووية الحديثة في العالم تخضع لأعلى معايير الأمان العالمية وأكثرها صرامة، حيث تغطي هذه المعايير كافة الموضوعات المتعلقة بالمحطة النووية، بداية من التصميم والانشاءات وحتى العمليات التشغيلية-بما في ذلك تكنولوجيا المفاعل واختيار موقع المحطة إلى أن يتم تفكيكها بصورة آمنة. وبالتالي فإنّ أي محطة نووية تفشل في تلبية هذه المعايير، أو تستخدم تكنولوجيا غير مصرح بها عالمياً، لن يتم بنائها من الأساس.

 

وبصورة أكثر تحديداً، فإنّ تكنولوجيا المفاعلات المستخدمة في أول محطة نووية مصرية، هي تكنولوجيا روساتوم لمفاعلات VVER 1200 والتي تمثل تكنولوجيا الجيل الثالث بلس، والتي تُعتبر أحدث تكنولوجيا للمفاعلات في العالم، وهي تعمل حالياً بكل نجاح في روسيا. إنّ هذه التكنولوجيا تتضمن أحدث نظم الأمان والسلامة المتطورة للمفاعلات النووية وتتمتع بقدرة غير مسبوقة على مقاومة العوامل الخارجية والداخلية الأكثر تطرفاً. بالإضافة لذلك، تدمج أنظمة أمان مفاعل VVER-1200 بين الأنظمة النشطة التقليدية والأنظمة السلبية المبتكرة والتي يتم نشرها من خلال اجراءات ذاتية التشغيل. تم تصميم تلك الأنظمة بطريقة مبتكرة كي تعمل على تقليل تدخل العنصر البشري أو ما اصطُلح على تسميته بالخطأ البشري. ولهذا يمكن لأنشطة الأمان السلبية أن تعمل حتى في غياب كل مصادر الطاقة، ويمكن لهذه الأنظمة أداء كافة وظائف الأمان والسلامة الحرجة دون وجود أنظمة الأمان النشطة وواجهة المُشغّل.

 

إنّ المفاعلات من هذا النوع يتم تشغيلها بنجاح في محطة نوفوفورونيج-2 النووية ومحطة ليننجراد-2 النووية في روسيا، كما تتم إقامة عدة مفاعلات من نفس النوع في عدد من دول العالم بما فيها دول الشرق الأوسط (خاصة محطة أكويو النووية في تركيا). تضيف الدكتورة عالية المهدي، استاذ الاقتصاد والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة “إنّ اختيار العديد من دول المنطقة لنفس النوع من المفاعلات النووية التي تقيمها روساتوم يعني أنّ هذه المفاعلات تتمتع بأعلى معايير الأمان والتطور التكنولوجي. وعلى هذا فقد اختارت مصر محطة نووية تم اختبارها وإجازتها من دول أخرى حول العالم”.

 

3-  الفكرة الخاطئة: إنّ اقامة المحطة النووية في منطقة الضبعة سيضر بالسياحة في المنطقة، وسيؤدي لهجرة أهالي المنطقة منها

 

الحقيقة: كما ذكرنا من قبل، ليس للمحطات النووية أية أضرار بيئية ولا تمثل تهديداً على صحة الإنسان أو الصناعات المحلية المحيطة بها. بل أن الكثير من الدول التي تمتلك محطات نووية تتمتع بانتعاش سياحي هائل، حيث توجد المحطات النووية العاملة في تلك الدول على مقربة من أهم المواقع والمناطق السياحية. ففي فرنسا على سبيل المثال هناك 6 محطات نووية عاملة في نطاق 200 كم من باريس، وفي اسبانيا هناك 3 محطات نووية تقع على نفس المسافة من العاصمة مدريد.

 

بل أن العكس هو الصحيح. فمن المتوقع أن تحفز العمليات الانشائية للمحطة النووية زيادة معدلات النمو في قطاع الخدمات المحلية بما فيها السياحة، وذلك ما أكدته التجارب السابقة في دول أخرى مثل البرازيل، حيث كان لمحطة أنجرا النووية دوراً كبيراً في تحسين جودة حياة المواطنين ورفع معدلات الإقبال السياحي في تلك المنطقة. ومع الأخذ في الاعتبار التطور الهائل والتكنولوجيا الفائقة التي تتمتع بها الصناعة النووية، فإنّ تطورها سينعكس بالتأكيد على كافة نواحي الحياة والأنشطة الاقتصادية الأخرى، نظراً لأن الطاقة النووية لا تعمل فقط على توفير الكهرباء بأسعار اقتصادية مناسبة للمستهلكين، ولكنها أيضاً تسعى لتحسين جودة حياة المواطنين. وفي حالة مصر، يجب إدراك كافة التطورات الايجابية المصاحبة لإقامة المحطة النووية الاولى، حيث من المؤكد أن المناطق الواعدة والتي لم تنل نصيباً كافياً من التنمية حول المحطة وبطول ساحل البحر المتوسط، ستستفيد من إقامة هذا المشروع، من خلال تحسين البنية التحتية بها وتوفير عدد كبير من الوظائف الجديدة وزيادة إيرادات الضرائب وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من مصر وخارجها، بحيث تصبح البلاد مقصداً سياحياً محلياً واقليمياً وعالمياً.

 

يعلق الدكتور/ يسري أبو شادي، كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقوله “منذ سنوات قليلة مضت، تم تخصيص 20% من المساحة التي تقام عليها المحطة النووية في الضبعة لإقامة عدد من المباني الخدمية والاجتماعية لدعم سكان منطقة الضبعة (بما في ذلك إقامة المستشفيات والمدارس الفنية ومنازل العمال وغيرها). وقد اتخذت الدولة قراراً في الفترة الأخيرة بتأسيس منطقة حرة بالقرب من موقع المحطة لتقديم الخدمات لها وللمشروعات الأخرى التي ستُقام بتلك المنطقة. ومن المتوقع أيضاً أن تشهد تلك المنطقة حركة تنمية غير مسبوقة لاستيعاب عدد من المشروعات الصناعية، ومحطات تحلية المياه ومشروعات الطاقة المتجددة وغيرها، وهو ما سيكون له أثر كبير في التنمية الاقتصادية الشاملة لمحافظة مطروح. وستصبح المنطقة كما أتوقع مجمعاً سياحياً هاماً في مصر”.

 

ويتفق الدكنور/ علي عبد النبي، نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقاً مع الأدلة العلمية والعملية التي تدعم استخدام الطاقة النووية، ويختتم بقوله بأنّ : “الطاقة النووية مصدر حيوي يمكن لشبكات الكهرباء الوطنية الاعتماد عليه. هذا بالإضافة إلى أنّ الطاقة  النووية مصدر نظيف للطاقة ويمكنها تلبية الطلب الحرج للعديد من الصناعات الكثيفة للطاقة. بالإضافة لذلك، تحتاج المحطات النووية مساحات أصغر من الأراضي ويمكنها أن تُشكّل أساساً متيناً للتنمية المستدامة. إنّ المفاهيم الخاطئة التي تنتشر بين العديد من المواطنين حول استخدام الطاقة النووية تقوم على أسباب ثقافية وفكرية وسياسية بدلاً من اعتمادها على أسباب اقتصادية وتكنولوجية. ولكن الصورة أصبحت أوضح الآن أكثر من أي وقت مضى”.

 

نبذة عن مؤسسة روساتوم للطاقة النووية الحكومية

 

تُعد روساتوم (مؤسسة روساتوم للطاقة النووية الحكومية) هي الشركة الوحيدة في العالم التي تقدم حلولاً متكاملة للطاقة النظيفة اعتماداً على الطاقة النووية، وذلك بداية من تصميم واقامة وتشغيل المحطات النووية، ووصولاً إلى التنقيب عن اليورانيوم وتحويله وتخصيبه وتوفير الوقود النووي، وايقاف تشغيل وتفكيك المحطات النووية القديمة، ونقل مخزون الوقود النووي المستنفد والتخلص الآمن من النفايات النووية. تتمتع روساتوم بخبرة متواصلة في القطاع النووي تمتد لأكثر من70 عاماً، وهي من الشركات العالمية المرموقة في تقديم الحلول فائقة الأداء لكافة أنواع المحطات النووية. تعمل الشركة أيضاً في مجالات طاقة الرياح والطب النووي وتخزين الطاقة وغيرها.

 

تتخذ روساتوم من موسكو مقراً رئيسياً لها، وتضم تحت علامتها التجارية أكثر من 300 شركة من شركات الصناعة النووية ومؤسسات البحث العلمي التي يعمل بها 250000 موظف في 44 دولة حول العالم. تمتلك روساتوم ثاني أكبر احتياطي من اليورانيوم في العالم، وتصل حصتها السوقية من سوق تخصيب اليورانيوم إلى 40% من حجم السوق العالمي. تُعد روساتوم أيضاً أكبر شركة عالمية متخصصة في اقامة الجيل الحديث من المحطات النووية، ولديها حالياً أوامر تصدير بقيمة 133 مليار دولار على مدار السنوات العشر القادمة.