فاروق جويدة: حديث الذكريات

فاروق جويدة: حديث الذكريات

حين نتحدث عن الذكريات يتصور البعض أنها بالضرورة لابد أن تكون ذكريات حب ولقاء ووداع وألم.. وان ارتباط الذكريات بالحب إنها الإحساس الوحيد الذى نعيشه فى لحظة فراق حزينة..

 

إن الإنسان لا يحن فقط لذكريات حبه الذى مضي.. هناك ذكريات أخرى نعيشها إن للزمن ذكريات وللعمر ذكريات وللاماكن ذكريات وحتى الأشياء لها ذكريات.. إن الزمن لا يعبر علينا بطريقة آلية إنها أيام تطارد الأيام وسنوات تسقط من أجندة أيامنا ونحن نعيش الزمن أكثر من مرة.. نعيشه واقعا نحياه.. ونعيشه تاريخا لا ننساه وأيضا نحن نتمنى حين يرحل كل شىء لو أننا أعدنا دورة الزمن للوراء وعشناه مرة أخري..

 

وإذا كان الزمن هو الكل فإن العمر هو الجزء ونحن نعيش الكل والجزء فى وقت واحد.. إن الأوطان لها زمن.. والأفراد لهم زمن والشعوب لها زمن ومن هذا الزمن الكل نجد أعمارنا تتسلل فيه وهى جزء بسيط للغاية ولكنه مهم جدا لأصحابه.. ولهذا هناك ذكريات ما حولنا وذكرياتنا التى تخصنا وكلاهما عزيز علينا إن تاريخ الوطن ذكريات عزيزة على أبنائه ولأن للأبناء نصيب فيه يتجسد فى أعمارهم..

 

هناك أيضا ذكريات للأماكن وبعض الناس وأنا منهم يتعامل مع الأماكن كأنها كائن حي.. أنا اشعر بأنفاس المكان وروحه ونبضه ومشاعره كثيرا ما تحزن الأماكن على أصحابها إن رحلوا بل إنها تشارك الناس أفراحهم وأحزانهم.. والأماكن تحزن وتفرح ولك أن تتصور بيتا يشهد عرسا وأخر يشهد رحيل أناس سكنوه.. ولهذا فإن للاماكن ذكريات تخصها ويشاركها فيها الآخرون..

 

أما ذكريات الأشياء فهى تحتوى على جزء من هذا العاAلم انك أحيانا تذكر طعاما كانت أمك تطهوه وتتمنى لو أنها عادت واكلته معها مرة أخري.. انك فى لحظة الألم تتذكر إنسانا عزيزا وقف معك فى محنة وتتمنى لو رأيته.. انك تتذكر رفقة أصحاب أو أحباب أو ساعة فرح عشتها معهم وتطوف أمامك الوجوه وكأنك تراها رغم ابتعاد الزمن والمكان.. الذكريات ليست قصة حب عبرت ولكنها عمر مضى بكل ما فيه وتتمنى لو رجع الزمان للوراء وعشته مرة أخرى.