د. وحيد عبدالمجيد: القتلة الأوائل .. والحاليون 

عندما حدث التفجيران اللذان راح ضحيتهما مصريون أبرياء فى الهرم والكنيسة البطرسية فى يومين متتاليين, كنت أقرأ رواية الصديق العزيز ابراهيم عيسى الجديدة «رحلة الدم-القتلة الأوائل». أخذنى الحادثان لبعض الوقت من هذا العمل الكبير الذى يُعد نقلة مهمة فى منهج كتابة الرواية التاريخية العربية.

 

تعالج رواية عيسى بداية العنف الدينى واغتيال عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب، اذ يضع وقائع تاريخية اجتهد المؤلف فى الإلمام بأدق تفاصيلها فى اطار روائي بديع, ويصئ مساحات معتمة فى تلك الفترة, و ينسج خيوط علاقات انسانية يمزج فيها التاريخ بالخيال الابداعى.

 

تداعت أمامى أوجه شبه بين عبدالرحمن بن ملجم الذى أبدع عيسى فى رسم صورة قلمية له وقتلة حاليين تفرخهم بيئة ثقافية-سياسية-اجتماعية اختلفت منذ الستينيات عن سابقتها التى لم يظهر مثلهم فى ظلها0 وتسارعت فى ذهنى أسئلة من واقع ما فعله قتلة حاليون فى الهرم والعباسية، وما سبق إليه قتلة أوائل. فلماذا يتحول الاعتقاد الدينى إلى موقف سياسى لدى بعض المسلمين، وكيف يتجسد هذا الموقف فى صورته العنيفة، وهل يعود ذلك إلى تأثير بعض النصوص، أم إلى تفسيرات معينة لها، أم إلى الظروف التى تُقرأ فيها هذه النصوص؟

 

وهل النص بالتالى هو الأسبق فى تشكيل الميول العنيفة، أم أن الواقع هو الذى يسبق؟ وبعبارة أخرى: هل النص أو تفسيره هو الذى يُشكَّل الواقع من خلال تأثير مباشر على الوعى بمعزل عن معطيات هذا الواقع، أم أن الواقع هو الذى يدفع إلى اتخاذ موقف عنيف والبحث عن غطاء عقائدى أو فكرى لهذا الموقف من بين نصوص دينية أو تفسيرات معينة لهذه النصوص؟

 

وإذا كان النص أو تفسيره هو الذى يصنع ما يسميه البعض «اللاهوت السياسى المسلح»، فلماذا تختلف صور هذا «اللاهوت» من عصر إلى آخر، منذ الزمن الذى كتب إبراهيم عيسى روايته عنه إلى زمننا الراهن، ولماذا لم نجد «لاهوتاً» من هذا النوع فى مصر لفترة طويلة قبل ستينات القرن الماضى حين بدأت ارهاصاته؟

 

وألا يدفعنا تأمل هذه الأسئلة إلى مراجعة الخطاب الشائع عن تجديد الخطاب الدينى، والاهتمام أيضا بتجديد الواقع وإصلاحه سياسياً وثقافياً لكى نملأ الأرض أملاً وحباً للحياة؟. صحيفة الاهرام