سلوك الرشوة واليوم العالمى لمكافحة الفساد

سلوك الرشوة واليوم العالمى لمكافحة الفساد

د.احمد فخرى
وفق البنك الدولى «يُغطِّى الفساد الذى يُعرَّف بأنه إساءة استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة طائفة واسعة من السلوكيات من الرشوة إلى سرقة المال العام»؛ إلا أن نواتج الفساد أعم وأوسع من إهدار المال؛ إذ نراه يطعن بشدة فى مفردات العقد الاجتماعى القائم بين الدول وشعوبها، وينخر بإصرار فى مفهوم هيبة الدولة، ويطرح برامج التنمية أرضًا فلا يُمكنها ملاحقة التطلعات الشعبية المشروعة فى حياة كريمة حرة.

نعلم جيداَ أن هناك العديد ممن يستغلون مكانتهم الوظيفيه فى مؤسسات الدوله للتبرح من أساءة أستغلال الموقع الوظيفى، وهم من نطلق عليهم المرتشون وهناك من يقوم بسلوك الرشوه مقابل تسهيل أجراءات خدمه من مصلحه حكوميه ما أو هيئة من الهيئات والبعض يقوم بسلوك الرشوه بغرض الحصول الى خدمه أو مكانه أو ظيفة ما دون أن تنطبق عليه شروط وإجراءات تلك الوظيفه أو الخدمه أى يقوم بدفع المال أو الهدايا والعطايا الماديه بغرض تسهيل وتيسير خدمه أو الحصول على شيء لاتنطبق عليه شروطه ، واحيانا نجد طرف ثالث يطلق عليه الوسيط أو المسهلاتى ، كما ان هناك من يقوم بسلوك الرشوه بغرض درء بطش صاحب السلطه أو المهيمن على المكان ، كما يتودد بعض الموظفين الى المدير ببعض الهدايا أو يتودد بعض الطلاب لبعض المدرسين بالهدايا بغرض التودد ودرء بطشهم واستغلال نفوزهم لكى يبتعدوا عن ظلم قد يلم بهم لعدم تقديم الكرابين والهبات لسادة القوم
والحقيقه أن سلوك الرشوه ينتشر فى جميع بلاد العالم ، ولكن ينتشر بصوره اشمل واعمل واعمق فى البلدان ذات المؤسسات الضعيفه التى تتميز بالهشاشه والصراع وضعف الربط والظبط فى تطبيق القوانين والرقابه على موظفيها.

لذا نجد فى بعض المؤسسات التى نعلم بعضها جميعا ، ولانعلم عن البعض الأخر شئ لجهلنا به أو لعدم أحتكاكنا المباشر فى التعامل مع البعض الأخر.

والحقيقه أن شخصيه المرتشي من خلال التفحص الأكلينيكى لتلك الشخصيه نجدها شخصيه تقوم على الإنتهازيه وتحين الفرصه وأختيار الظروف المناسبه لتحقيق أهدافه ومطامعه من دون أن تكون له قاعده أو مبدأ يحدد سلوكياته وتصرفاته وعدم التقيد بمبدأ أو قاعدة.

فالمرتشي من الناحية السيكولوجيه كثير الشكوى وشكواة دئما تدور حول الفقر وقلة المال كما أنه يرفض أى حوار أو منطق يفلسف الفقر ويشوه الغنى فلديه دائما رغبة عارمه فى الغنى وجمع المال بأسرع وقت ممكن وفى أقصر مدة وبأقل مجهود وبأى وسيلة ولا يهم أن كانت هذة الوسيلة شرعيه أو غير شرعية.

ونجد المرتشي غير راضى أغلب الوقت عن نفسه وظروفه وحياته ، دائم الشكوى من قسوة ظروف الحياه يستغل أى مشاكل عائليه أو مرض داخل اسرته أو لديه لكى يتخذه السبيل أو المبرر لنفسه للتمادى فى سلوك الرشوه فالإحساس بالرضا عن الذات والحياه يعنى بالنسبة إليه الثراء والغنى الفاحش وكأن لسان حاله مقوله : المال ضرورى لكنه دائمًا لايكفى وتؤدى حالة عدم الرضا عن الذات والحياه التى يعيشها المرتشي الى عدم الرضا أيضًا عن المبادىء والقيم والكفر بكل المبادىء والأخلاق والمثل العليا والنظر اليها بإعتبارها كلمات جوفاء لاطائل من ورائها.

ونجد أن المرتشي يسعى بكل مما امتلك من قوه لخلق مريدين له وخاصة من شباب الموظفين الجدد فهو يقوم بدور الشيطان يبحث عن مريدين يجتذبهم الى الحلبه الخاصه به ويسخرهم لخدمته ولتعلم أصول اللعبه ، حتى يشعر نفسه أنه ليس بمفرده أو هناك أتباع له حتى يطلق عبارته الشهيره الكل بيعمل كده ، مش أنا لوحدى ، ناس كثيره بتعمل أكثر منى ، وغيرها من العبارات التى تبرر له ارتكاب المزيد والمزيد من الرشوه فى شكل هدايا واموال وعطايا.

فالمرتشي شخصيه تتمتع بسلوك سرطانى يتفشي فى جسد بعض المؤسسات والهيئات الحكوميه ، التى تسير بدون قواعد حاكمه وضوابط واضحه ورقابة صارمه ، مؤسسات يسودها جو من المحسوبيه والشلاليه لايحكمهم قانون ولايعرفون الثواب من العقاب يسودها جو من الصراع من أجل البقاء والقوه تخلوا تلك المؤسسات من جو فريق العمل والتماسك بين أفرادها من أجل مصلحة العمل وتنفيذ القانون يسود تلك المؤسسات جو من الصراعات والنزاعات وسيطرة جو العائلات ، البقاء للاقوى وليس للأصلح ، لايوجد بها توصيف وظيفى لغالبية موظفيها ، شعارها الراجل الغير مناسب فى المكان المناسب.

تنمو شخصية المرتشي فى بيئة عمل تساعد على تمكن تلك الشخصيه من أمداد جذورها ونموها بشكل سريع ، وسنه وراء أخرى حتى تتوغل فى المكان وتفرض سيطرتها ويصبح لها عذوه ومكانه ومريدين تستقوى بهم لمحاربه كل من يقف حجر عثر أمام التوغل تجاه هوس المال والثراء السريع.

ولا نجد أمامنا غير ضرورة تولى القياده السياسيه أهمية التركيز على ملف الإصلاح المؤسسي الجاد ، لابد من أعادة هيكلة المؤسسات الحكوميه بشكل يقوم على أختيار الرجل المناسب فى المكان المناسب ، وضمان الشفافيه ، وهيكلة الاجور والمكافاة بشكل عادل ، وتطبيق سياسات الثواب والعقاب وتطبيق القوانين والرقابه على جودة الأداء الوظيفى وكافة المعايير الاداريه السليمه حتى نضمن تحجيم حقيقى لسلوك الراشي والمرتشي فى ظل حماية القانون والأجهزه الرقابية.