الرهان على المستقبل

الرهان على المستقبل

بقلم : أيمن عبد المجيد
“نشأ” في اللغة تعني “حَييَ، وربَا، وشَب”، والنشء من البشر، من جاوز حد الصغر، وفي الناشئين ما يؤكد أنهم في بداية الطريق، وأمامهم المستقبل.

مصر ولادة، تتعثر لكنها لا تموت، جينات حضارتها كامنة في بشرها، تستحضر فرعونيتها في لحظات تاريخية، تبعث برسائل الأمل كلما هبطت العزائم.

بالأمس رُفع علم مصر خفاقًا، بمقدونيا، عُزف السلام الوطني المصري، بفضل عزيمة رجال بدرجة مقاتلين، شباب في مقتبل أعمارهم، تحملوا المسؤولية، وكانوا بقدر ثقة شعب مصر فيهم.

توّج فريق الناشئين لكرة اليد، بطلًا للعالم، في سابقة تاريخية هي الأولى.

وقبل أسابيع حصل منتخب مصر لكرة اليد، على المركز الثالث عالميًا، أثلج صدور المصريين، كانت عكست الحفاوة على منصات التواصل الاجتماعي بهم، والتصفيق الحار لهم في منتدى الشباب بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي لهم، مدى الاهتمام والتحول في تعاطي الدولة مع أصحاب الإنجازات.

كانت صدمة الجماهير كبيرة، نتيجة الأداء الهزيل لمنتخب كرة القدم في بطولة كأس الأمم الإفريقية، وكان العزاء، الإشادة الدولية بنجاح مصر المبهر في تنظيم البطولة، بكل تفاصيلها من الافتتاح وحتى حفل الختام.
ليأتي هذا الإنجاز التاريخي الذي سطره، ناشئو كرة اليد، ليثلج صدور ملايين المصريين، ويؤكد بالفعل، على الأرض، أن الأمل في المستقبل، في هؤلاء الكوادر الرياضية المؤهلة، القادرة على رفع اسم مصر خفاقًا عاليًا، بما تستحقه حضارة ٧ آلاف عام.

منذ عام أطلقت هيئة الرقابة الإدارية، مشروعًا لاكتشاف الموهوبين في مختلف المجالات الرياضية، تحرك علمي سليم، لاكتشاف الجواهر المخبوءة في الأقاليم، ليتم إعدادها وتأهيلها علميًا، وفنيًا، وصحيًا، لحصد بطولات المستقبل.

مصر لديها تميز في الألعاب الفردية، سباحة ورفع أثقال، وتايكوندو، وفِي الألعاب الجماعية كرة اليد، يمكن البناء على تلك النجاحات بمزيد من الاهتمام بمن هم أحق بالرعاية والتقدير، وهذا بات شديد الوضوح في توجه القيادة السياسية.

بينما كرة القدم، تعاني الكثير من الأمراض، التي تبدأ من تضخم الذات لدى البعض من رؤساء الأندية، ومرورًا باللاعبين، الفساد لامس منظومة كرة القدم، من بداية إلحاق النشء بالأندية، فالسماسرة، وما أدراك بهم، كلمتهم هي العليا، وليس الكفاءة ولا الموهبة.

العلاج يكمن في انتقاء الموهوبين، ثم الإعداد العلمي لهم، وفق منظومة متكاملة، إعدادا نفسيا وبدنيا، وصحيا وفنيا ومهاريا.

مصر أم الدنيا، بما لديها من كنز بشري، وطني حتى النخاع، يستحضر جينات المقاتل في الأزمات وفي المنافسات، حتى الرياضية منها، قادرة على أن تعتلي كل منصات التتويج، قديمًا كانت الرياضة المصرية تفتقد الإرادة السياسية الداعمة، والآن توافرت الإرادة والرؤية، والمستقبل أفضل إن شاء الله.

لقد فعل الأبطال واجبهم، وحصلوا على كأس العالم، يبقى أن نؤدي نحن ما ينبغي أن نؤديه، كلٌ في مجاله.

الإعلام ينبغي عليه الاحتفاء بهم، يمنحهم ما يوازي الإنجاز الكبير المُتحقق، ورجال الأعمال الذين ينهالون بالعطايا والمكافآت على لاعبي كرة القدم في بطولات محلية، عليهم أن يبادروا برعاية الأبطال من الأشبال، كجزء من الدور المجتمعي لهم.

فمن غير اللائق أن تكون مكافأة بطل عالم، ١٥٠٠ دولار، وهو مبلغ تحكمه القدرات المالية المحدودة للاتحاد، وإن كانت وزارة الشباب والرياضة ستمنح مكافآت مالية للاعبين تقدر بـ١١٢ ألفًا لكل لاعب، بيد أنها مكافأة تتطلب التحسين، فهؤلاء الأبطال، أهدوا مصر الأمل قبل الفوز.

تكريمهم المعنوي قطعًا، أهم وأبقى، خاصة أن التكريم سيأتي من رئيس الجمهورية، ومن شعب مصر الذي احتفى بفوزهم، لكن من المهم أيضًا تأمين حياة كريمة لهؤلاء الأشبال؛ ليواصلوا العمل والإنجاز، فمن هؤلاء سيولد منتخب مصر لكرة اليد في السنوات المقبلة.

هؤلاء الأبطال نموذج للإنسان المصري، وبرهان على أن المستقبل أفضل، واتساق حقيقي مع ما تخطوه مصر من خطوات واسعة أسرع من الزمن، في كل المجالات، العمران، والإصلاحات الاقتصادية، والثورة الخضراء، والتنمية الشاملة، ليأتي هؤلاء الشباب ليؤكدوا أن مستقبل الرياضة يبعث على الأمل كمستقبل مصر.

تحيا مصر، وتحيا رايتها خفاقة عالية.