بيان إطلاق “اللجنة القومية لمئوية جمال عبدالناصر”

بيان إطلاق "اللجنة القومية لمئوية جمال عبدالناصر"

ايجى 2030 /

لا نبكى على مافات ، ولا نغرق فى ماض ، بل نسعى لاسترداد المستقبل ، فلم يكن جمال عبد الناصر تاريخا منتهيا ، ولا تجربة عبرت ، بل عنوانا لمشروع نهوض جامع ، تكونت عناصره تباعا وفى إطراد ، مع يقظة مصر وأمتها العربية على هوان أوضاعها فى العالم الحديث ، واستيلاء الزحف الاستعمارى على أراضيها ومقدراتها وهويتها ، وانقطاعها الطويل عن سبل الحياة والتنمية والعلم ، واحتجازها المزمن فى نفق التخلف والغفلة ، وهو ما تنبهت إليه مواكب التحديث المبكرة ، وجهدت أجيالها المتوالية فى تخطيه ، وجوبهت بضراوة التحكم الاستعمارى ، وحروبه المتصلة لاستنزاف الطاقة ، وإفشاله لتجارب النهوض الأولى ، وقمعه لثورات الوطنية المصرية والقومية العربية ، وزرعه لكيان الاغتصاب الصهيونى بين ظهرانينا ، وإلى أن قامت ثورة 23 يوليو 1952 ، وبطلائع شابة ، نضج وعيها فى قلب محنة فلسطين ، وتحولت بالثورة المصرية المنشأ إلى فوران عربى عارم ، وصنعت للأمة فجرا جديدا ساطعا ، تدفق بشلالات نوره طوال الخمسينيات والستينيات ، وإلى أواسط سبعينيات القرن العشرين .

 

ولم يكن الانقلاب الذى جرى على ثورة عبد الناصر خاتمة ولا نهاية ، بل مولدا لحلم لا يهزمه الزمن ، زاد تألقه مع توالى المحن ، وتعاظمت قوته مع تراخى الأيام ، ومع الإخفاق المريع للنظم التى أعقبت رحيل الرجل وحاربته ، وقادت الحملات العاتية لمحو اسمه والتكفيربتجربته ، وقد سقطت كلها ، وتحول جمال عبد الناصر من اسم إلى معنى ، ومن تجربة إلى مخزن أحلام ، سكن صدور الشعب العامل وصناع الحياة ، والحلم الذى يسكن شعبا لايموت ، لأن الشعوب لاتفنى ولا تزول ، وهو ما يفسر الظهور الكثيف لصورعبد الناصر وحدها فى ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الأعظم فى 30 يونيو 2013 ، وكأن ملايين الميادين أرادت أن تصل ما انقطع مع الثورة المغدورة ، فالثورات فى حياة الأمم ليست حوادث سير عابرة ، بل جوهر مستكن ، يطفو إلى سطح الوعى فى لحظات التحرك واليقظة ، وقد كانت ثورة عبد الناصر متصلة بالطبائع مع جوهر ثورات عظيمة سبقتها ، وعتها بعمق ، وأعطتها نضجا واكتمالا ، ومقدرة عبقرية على التصحيح الذاتى للأخطاء والعثرات ، وبصورة دمجت عناصر النهوض فى سبيكة مشروع جامع ، كان الاستقلال الوطنى والتحرير القومى حجر الزاوية فيه ، وأضافت إليه عناصر التنمية بالاعتماد على الذات ، والتصنيع الشامل ، والكفاية الانتاجية مع عدالة التوزيع الاجتماعى ، وأولوية العلم والتكنولوجيا ، والتجديد الحضارى ، والتوحيد العربى ، والالتحام الواعى مع حركة وأشواق شعوب الشرق والجنوب ، وصياغة نظام عالمى عادل متوازن ، مع إدراك مضاف مستعاد لقيمة الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة ، فلا يكفى أن تكون الثورة لصالح الناس ، بل يجب أن تكون الثورة بالناس وبتنظيم الناس حتى لا تهزم وتداس .

 

وليست مهمة “اللجنة القومية لتنظيم مئوية جمال عبد الناصر” أن تدافع عن عن تجربة مضت ، تظل مضيئة بإلهامها ، بل أن تؤكد على الحلم الباقى ، وعلى مشروع النهوض الذى تستحقه الأمة المهانة المنكوبة المستباحة ، وعلى حرج اللحظة التى نعيش فيها ، وعلى حاجة الأمة إلى الثقة بمقدرتها على الخروج مجددا إلى النور ، وعلى كسب معركة العقول والقلوب فى مفترق طرق ، وفى إطار وطنى وقومى جامع ، لا يستثنى أحدا من المؤمنين بالحلم ، ولا يحصر نفسه فى تيارات حزبية منغلقة ، ولا فى حروب طواحين هواء تشغل وتلهى عن أولوية استرداد المستقبل .