أحمد سليم: رسائل بعلم الوصول – الحرب مع الشيطان

أحمد سليم: رسائل بعلم الوصول – الحرب مع الشيطان

أيام قليلة ويرحل عام 2017 حاملا كل ما تحقق فيه من آمال وأيضا حاملا كل ما تسبب فيه من آلام .. عام شهد الكثير من الأحداث عالميا وإقليميا ومحليا تغيرت فيه موازين القوى.. اختفت شخصيات مؤثرة على المسرح السياسي وحلت أخرى وتقسمت دول وأتحددت أخرى .. أنظمة سلمت لأنظمة وحكام انتهت حياتهم بشكل درامي كما كانت حياتهم أيضا مليئة بالأحداث الدرامية.. العام شهد الكثير فى مصر ولكنه وهو يلملم أوراقه كعادة السنوات دائما تصر على ترك بصمات لها تؤلم أحيانا وبقسوة وتثير أيضا التفكير فى عواقبها .. منذ أسبوعين شهد ميدان الإرهاب نقلة نوعية خطيرة باستهداف المساجد والمصلين..

 

وليس هذا هو الحادث الأول فمنذ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والجماعات الخارجة عن الدين المتخفية به تطول فى حوادثها خلفاء مسلمين وأمراء وحكام وسبق إن طالت أياديهم الشيخ الذهبي الوزير الشهيد .. النقلة إذن لها جذور تاريخية لدى أصحاب الفكر الارهابى ولكن العصر الحديث لم يشهد ذلك فى مصر..

 

الدلالة أن الرسالة التي كان الإرهابيون يهدفون أن نراها ونحسها أنهم رفعوا سقف التهديدات وشئ أخر يدل على أن أسلوب وشخصية الإرهابيين قد تغيرت .. فهذا أسلوب متبع فى سوريا والعراق بتفجير الحسينيات او استهداف الجنازات او من استهداف المساجد فى السعودية وان كانت الخسائر هناك قليلة إلا أن أسلوب استهداف المساجد هو تفكير تنظيم الدولة سواء فى سوريا أو العراق أو السعودية مما يؤكد على أن تركيبة التنظيمات فى سيناء قد تغيرت وان هناك عملية تطعيم قد جرت خلال الأشهر الأخيرة وهذا ما حذرنا منه وحذر منه خبراء امنيون إن الاختفاء المفاجئ او الانهيار المتتالي لتنظيم داعش فى العراق وتوالى سقوط معاقله حتى إعلان الحكومة العراقية تحرير كل الأرض العراقية يؤكد أن هناك الآلاف الذين فروا أو نقلوا أو تم تمريرهم عبر سوريا أو تركيا ثم البحر إلى ليبيا أو إلى سيناء ولابد أن نعترف أن هناك من وصل إلى سيناء بالفعل .. وان نأخذ تصريحات اردوغان من أن هناك عناصر إرهابية تم نقلها من الرقة إلى سيناء أن تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد وان ندرك جيدا أيضا أن الحرب لم تعد على تنظيمات إرهابية وإنما الحرب الآن مع أجهزة مخابرات تعلم ماذا تريد وتعمل لتحقيقه بكل الأساليب العسكرية والاقتصادية والسياسية..

 

لم يكن حادث الروضة إذن هو حادث منفصل عما يدور بالمنطقة .. إرهابيون تم نقلهم عبر رحلات طيران قامت بها القوات الأمريكية من صحراء العراق وفى لقاء مؤخرا لى مع السفير حبيب آل صدر سفير العراق فى القاهرة أكد ذلك وأضاف أن الطيران الامريكى نقل مرارا قادة من تنظيم داعش إلى جهات غير معلومة وإنهم كانوا حريصين على إنقاذ السفارة من أكمنة وهجمات القوات العراقية .. فى سوريا أيضا تم إجبار الحكومة السورية على فتح ما أطلق عليه ممرات أمنة لعناصر التنظيمات فى شمال حلب والرقة ودير الزور وتم ترحيلهم وأحيانا سمح لهم بالخروج بأسلحة خفيفة ومنهم قادة تخفوا وسط العوائل أثناء رحلات الباصات الخضراء عبر ريف دمشق ومناطق أخرى..

 

إذن نحن أمام مرحلة جديدة لم تعد مع عناصر الإخوان وما أطلق عليه تنظيم بيت المقدس أو حسم أو حتى تنظيم غلابة .. هذه كلها كانت تنظيمات تعتمد على العنصر المصري والسلاح المهرب وغير الثقيل ولكن ما حدث فى سيناء هذا الأسبوع يدل ويؤكد أن نوعية المعركة اختلفت فرص زيادة أهم شخصيتين على المستوى العسكري والامنى وإطلاق قذيفة تصل إلى قلب المطار الذي شهد تواجدهما ووصول القذيفة إلى طائرة هليوكوبتر كانت موجودة بالمطار دليل على استخدام جيد للسلاح ولست خبيرا بأنواعه ولكن ما حدث هو استخدام لإحداثيات وعملية رصد لوجود شخصيات مهمة نعلم جميعا أن تحركها سرى للغاية..

 

هذا يعنى أيضا أن هناك عناصر رصد قريبة جدا من الأماكن المهمة وكما تخفى ألاف الإرهابيين وسط المدنيين فى العراق وسوريا فان هناك ومن المؤكد من يتخفى وسط البدو فى سيناء وليس ذلك فقط بل هناك من يتخفى وسط القاهرة والجيزة والإسكندرية هناك شبكات متكاملة للرصد وما حدث من جرائم اغتيال للعميد رجائي وقبله اللواء محمد السيد وبعدهم حادث الواحات ثم حادث مطار العريش يؤكد على ارتفاع قدرة عناصر الرصد الإرهابية وتمكنها من التواجد فى أماكن قريبة من الحدث وهذا يتطلب أن يشارك الشعب بكامل عناصره فى الحرب ضد الإرهاب .. يتطلب أن تصل إلى الأجهزة ابسط المعلومات مثلا الأسبوع الماضي لولا يقظة مواطن مصر صالح يؤمن بوطنه ويؤمن أيضا بان عليه واجب لابد أن يقوم به عندما لاحظ توقف سيارة ونزول شخص منها وتركة لكتلة أسمنتية على مدخل كوبري بولاق..

 

هذا المواطن تصرف بجدية واتصل بالنجدة التي تأخرت للأسف ولكن الله أرسل له سيارة شرطة أحد على إيقافها وتصرف من كان بها بحكمة وسرعة لولا ذلك لشهدت منطقة بولاق بكثافتها السكانية كارثة لا يعلم إلا الله مداها .. ولولا عناية الله وستره وتحرك موكب وزير الدفاع والداخلية من المطار قبل سقوط القذيفة لحدث مالا تحمد عقباه ولكانت النتيجة السياسية للحادث كارثية بمعنى الكلمة فكلنا يعلم جيدا ماذا يعنى استهداف وزير الداخلية لأفراد الداخلية .. الرسالة كانت رسالة بعلم الوصول كما يطلق على رسائل البريد .. استهداف مطار لم يتم الاقتراب منه سنوات الإرهاب كلها .. طريقة كانت تتبع فى سوريا والعراق بإطلاق قذائف بعيدة عن المطارات أو أهداف إستراتيجية فتكون الضربة موجعة وغير مكلفة للحركة الإرهابية .. عملية رصد جيدة وتنفيذ.. ينقلنا بكامل أجهزتنا إلى رحلة الحرب مع الشيطان.. فرص التحركات ومتابعة الشخصيات ثم تحديد الإحداثيات أسلوب لا يتبعه هواة ولا تنظيمات مبتدئة ولكنها أجهزة مخابرات كبيرة ولديها إمكانيات حديثة استطاعت نقل المعركة إلى ميدان أخرى فبعد أن حققت أهدافها السياسية فى العراق بإعادتها مائة عام إلى الوراء وفكك جيشه وتدمير شرطته وبنيته التحتية .. قامت بنفس العمل فى سوريا وخرجت بخبرات جديدة ودعم لوجيستى حديث إلى ميدان جديد..

 

لم يكن هناك هدف فى سوريا او العراق للاحتلال يكفى فقط هدم الدولة ثم تركها لتحاول النهوض لمدة مائة عام ثانية .. فعلوا ذلك فى فلسطين وبعد مائة عام أعلنوا القدس عاصمة .. دمروا العراق وسوريا ثم انسحبوا عبر تركيا وأجهزة مخابرات أمريكية وغربية وبتمويلات عربية إلى ليبيا وسيناء بهدف جديد وأهم هو تكرار التجربة وإسقاط الدولة المصرية بمساعدة جماعة الإخوان وتنظيماتها المختلفة سواء العسكرية كحسم أو الاقتصادية والشعبية كغلابة وأسماء أخرى .. ما حدث فى بولاق الدكرور وما حدث فى الواحات وما حدث فى العريش وبئر العبد رسائل متتالية يجب أن تجعلنا منتبهين لما يدور وان نعمل على أن المعلومة هى الأهم فى الحرب القادمة فليس من باب المصادفة ان يكون هناك عنصرين فى منتهى الخطورة يتم قتلهم فى مطارات أمنية ثم يثبت إنهما أبناء لعاملين فى جهاز اعلامى مهم نعلم جميعا أهميته ونعلم ماذا كان سيحدث لو أن احدهما دخل المبنى مع والده أو أقاربه ولا نعلم ما حدث اقتراب هؤلاء أيضا من عاملين داخل المبنى .. عناصر الرصد وأحيانا التنفيذ موجودة فى أماكن مهمة ويجب سرعة رصدهم والتخلص منهم .. الحرب لم تعد هينة وهى فى مراحلها الأخيرة والأصعب.. تحليل ما حدث وتحويل تصرفنا من رد فعل إلى فعل استباقي يجب أن يكون هو شعار المرحلة القادمة فمصر لا تواجه تنظيما إرهابيا أنما تواجه شيطان الإرهاب نفسه .. نقلا عن الدستور