جلال دويدار :الانضباط الغائب .. ســـبب تخلفــنا

لا يختلف اثنان في مصر بإننا أصبحنا خبراء في تنظيم المناسبات السارة وغير السارة حيث يتلاشي ما تستهدفه من معني وهدف فور انتهائها وفقا لهذه الحالة المستعصية في سلوكياتنا فإنه لا يتحقق من ورائها أي عائد يمكن أن ينعكس علي أحوالنا بالايجاب.

 

بالطبع الكثير من هذه المناسبات التي تتمتع وتتسم بالبريق وكل الترحيب والتهليل يمكن أن تحقق ما تبشر به إذا ما تم الالتزام بأهدافها.. ولكن وللأسف وبالتجربة فإن كل الآمال والتوقعات لا يصبح لها وجود بعد أيام قليلة من إقامتها وما يصاحبها من مهرجانات وضجة وضجيج.

 

تذكرت هذه العادة السيئة المتأصلة في مجتمعنا المصري وأنا أقرأ عن دعوة »أخبار اليوم» للعمل من أجل أن يكون الانضباط الغائب أسلوب حياة لو تحقق ذلك عملا وفعلا فانه سوف ينعكس ايجابا -علي سبيل المثال- علي مشكلة المرور المستعصية التي حارت البرية في حلها بشوارعنا.

 

حتي تؤتي هذه الدعوة البناءة ثمارها فإنها لابد أن تقوم علي تفعيل القانون علي الجميع وبلا استثناء. إن آفة هذا الانضباط الغائب أنه حوّل شوارعنا إلي سوق وفوضي.

 

المارة وأصحاب السيارات وكل المسئولين في الأجهزة المعنية بتنفيذ القوانين مشاركون ومساهمون في عدم تحقيق هذا الانضباط المنشود.

 

هذا الانضباط المفقود ليس وقفا علي الشوارع فحسب ولكنه آفة مستعصية متفشية في كل جوانب حياتنا. إن استشراءها هو سبب كل مشاكلنا وبلاوينا التي أدت إلي تخلفنا وتأخرنا ووصولنا إلي ما نحن فيه من معاناة وحياة صعبة اقتصادية واجتماعية.

 

مخاصمة هذا الانضباط منتشر في أجهزتنا الحكومية متمثلة في تكدس موظفيها وعدم قيامهم بما هو مطلوب منهم من مسئوليات وواجبات. هذا الداء مستوطن أيضا في مؤسساتنا التعليمية التي تقوم بتخريج المعادين والمخالفين لمتطلبات الانضباط المطلوب في كل شيء المصانع أيضا ليست بريئة من الإصابة بهذه الآفة في قلة الانتاج وعدم التجويد.

 

ليس من سبيل لفرض هذا الانضباط الذي نحتاجه في كل ما نمارسه في حياتنا اليومية سوي تفعيل القانون وأن يكون كل الناس بلا استثناء سواسية في الخضوع لبنوده من المؤكد أنه لو تم ذلك فإن كل شيء في هذا الوطن سيتغير إلي الأحسن وصولا إلي التقدم والحياة الكريمة التي نتمناها.

 

ما أقوله ليس جديدا ولا بدعة وإنما هو النظام الذي كان وراء ما وصلت إليه الدول من تقدم ونجاح. الالتزام بالانضباط لا يقتصر علي الدول المتقدمة وإنما يشمل أيضا بعض الدول العربية والنامية التي كنا بالنسبة لها معلمين ومثالا يحتذي. القانون وبالقانون وحده وواجبات احترامه هو محور التعامل في تنظيم المعاملات والسلوكيات داخل هذه الدول. تأصيل هذا الفكر والتمسك به علي كل المستويات أدي وبمرور الوقت إلي أن يكون سلوكا عاما علي مستوي الدولة والمواطنين.

 

ان ما تحتاجه مصر للخروج من أزماتها ومشاكلها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية هو الانضباط القائم علي تفعيل القانون الذي يجب أن يطول الجميع بلا استثناء.

 

ليس هناك من مشكلة تواجه تقدمنا وانطلاقنا سوي اننا نفتقد الانضباط كأسلوب للتعامل الذي يقوم علي احترام القانون وتبجيله.. اذا استطاعت دولتنا الوصول إلي إقرار التعامل علي أساس هذا الاسلوب .. فإن الطريق سيصبح مفتوحا أمامنا لبلوغ ما نأمله ونتمناه. صحيفة الاخبار