عماد الدين حسين: لماذا نغير البلاط كل يوم؟!! 

 

على صفحة أحد الزملاء فى الفيسبوك قرأت الآتى يوم ٢٩ أغسطس الماضى: «مش عارف أقول إيه.. ده شارع النادى الجديد فى المعادى أمام محطة القمر الصناعى.. زى ما انتم شايفين بلاط الرصيف بيتغير.. ليه؟ هل البلاط بقى قديم لاسمح الله وشكله مشد قد كده؟ هل حالته بقت صعبة لدرجة أن الناس مش قادرة تمشى عليه؟! كل اللى أقدر أقوله إنى لما شفت المشهد لقيت نفسى بأركن العربية وبنزل آخد الصور ديه.. ولكم الحكم.. هل ده فكر نظام بيدعو شعبه إنه يتقشف؟ أنا مش هعلق ولا هحط أى علامات تعجب ولا.. ولا هعمل أى حاجة.. وربنا يقدرنى استحمل»

 

بعد أن قرأت هذا الكلام بساعات قليلة، اتصل بى أحد الجيران ليخبرنى أن بلاط ميدان باب الشعرية يتم تغييره «عمال على بطال» من دون أى سبب منطقى. قال الرجل فى اتصاله: «أرجوك أخبر هؤلاء المسئولين أن ما يحدث حرام، فى بلد مش لاقية تاكل».

 

فى الحكاية الأولى الخاصة بالمعادى، تأكدت من أحد الزملاء الذين يعيشون هناك، وأقسم لى أن البلاط القديم كان ممتازا، ولا يعيبه شىء بالمرة، وبالنسبة لحكاية باب الشعرية، فقد تأكدت من جارى بان البلاط لم يكن فى حاجة ماسة إلى تغيير عاجل الآن.

 

فى الماضى لم أكن أصدق كثيرا أن الحكومة، أو المحليات بمعنى أدق، تقوم بتغيير البلاط والأرصفة والدهانات على فترات زمنية متقاربة، أو لسبب جوهرى يستدعى ذلك.

 

لكن الصدفة وحدها قادتنى لأرى نموذجا عمليا على هذا الأمر، وهو ميدان عابدين حيث كنت أتردد كثيرا على أحد الأقارب هناك.

 

حالة الميدان كانت معقولة إلى حد كبير، وفجأة تم خلع كل البلاط، وإعادة تغيير معالم الحديقة الشهيرة وتخطيطها من جديد، وظل الميدان «مشلفطا» لفترة طويلة، بالطريقة المصرية المعتادة.

يومها لم أستطع منع نفسى من الاتصال بأحد المسئولين لأقول له: «حرام عليكم، لماذا هذا الإصرار على إلقاء فلوس فى الهواء؟».

 

الرجل كان مهذبا جدا وقال لى كلاما كثيرا خلاصته أن تمويل هذا المشروع هو تبرع من بعض رجال الأعمال.

 

الإجابة لم تشف غليلى، وسوف أفترض فعلا أن رجل أعمال «ابن حلال» قرر أن يتبرع لإعادة تجميل الميدان، فما المانع أن أشكره وأقول له إننا نريد أن نستخدم أموالك الخيرية فى تجميل ميدان يحتاج فعلا لذلك، وقبل أن نسمح باستخدام هذا التبرع علينا أن نتأكد أولا من أن رجل الأعمال أو أى متبرع آخر لن يحصل على أى مميزات مقابل هذا التبرع!!.

 

ترتكب الحكومة وجميع الأجهزة المختصة أخطاء قاتلة فى حق نفسها وحق الشعب، حينما تسمح بمثل هذا السفه.

 

نحن دولة لا تجد مرتبات تدفعها لبعض موظفيها، والعجز يزيد على ٣٠٠ مليار جنيه، وهى تقوم بزيادة الأسعار على معظم السلع والخدمات.. فى مثل هذا المناخ يفترض أن نكون حريصين ومتأكدين من أن كل مليم وليس جنيها ينفق فى مكانه الصحيح؟.

 

ما قيمة أن أقوم بزيادة أسعار لبن الأطفال فى حين يتم إهدار ملايين فى رصف شوارع وميادين مرصوفة بالفعل أو على الأقل حالتها جيدة.. ما الذى سيحدث إذا تركنا البلاط القديم الجيد فى مكانه.. هل هناك موظفون يستفيدون من هذه التغييرات.. ولماذا تسمح لهم الحكومة والأجهزة والمحليات بهذا السفه؟!!.

 

إذا كان لدينا أموال فائضة نهدرها فى المحليات فلماذا لا نصلح من طريق القاهرة الصحرواى الغربى، أو القاهرة أسوان الزراعى، وسائر طرق الصعيد، التى تحولت إلى وسائل لتعذيب ملايين الصعايدة يوميا.

 

للأسف بعض السلوكيات تقول إنه «مفيش فايدة» مع هذه العقليات الموجودة فى المحليات. بعض المسئولين فى هذا القطاع يعيشون فى كوكب تانى، وتصرفاتهم وممارساتهم اخطر بملايين المرات من أعدى أعداء النظام.

 

لماذا لا نرصف طريق الصعيد المبهدل وكل طرق الريف؟