السيسي والميراث الملعون

 

بقلم| الدكتور عفت السادات

في عام 1977 أقدم الرئيس الراحل أنور السادات على خطوة قوبلت برفض شعبي كبير وعدم مساندة أيضا من قبل المسئولين ألا وهي خطوة الرفع التدريجي للدعم، حتى إن كثير من الأصوات المتشدقة بالوطنية والتي تعيش على شعارات الانتصار للمواطنين البسطاء شنت حربا ضروس ضد الزعيم الذي امتلك رؤية اقتصادية لم يفهمها أحد غيره في ذلك الحين.. رؤية كانت ستخلص مصر والأجيال اللاحقة من مقصلة التدهور الاقتصادي واستدانة الدولة..

بعد كل تلك السنوات وفي ظل ما يقوم به الرئيس عبد الفتاح السيسي من جهود جبارة لإنقاذ الاقتصاد من عثرته يمكننا القول بكل أريحية أن ما نحن فيه الأن من تردي للأوضاع الاقتصادية وتدني لمستوى معيشة قطاع كبير من أبناء الشعب المصري ما هو إلا ميراث ملعون وثقيل لسياسة اقتصادية افتقدت الخيال والرؤية في آن معًا..

نعم فلا أحد بعد الرئيس السادات امتلك هذا الخيال أو تلك الرؤية ومرت السنوات بل والعقود دون أن يكون هناك عاقلا واحدا يقف موقفا شجاعا حتى إن كان ضد رأي الأغلبية التي آثرت السكوت أو ربما غاب عنها الامر لقصر نظر أو سوء تقدير..

ديون خارجية وداخلية عتيقة ومتراكمة.. مؤسسات منهكة وتنافسية على المستوى التجاري والصناعي ضعيفة وتكاد تكون غير موجودة بالأساس.. كل هذا شبهه الرئيس السيسي بكلمة واحدة “نحن في شبه دولة”.. الرجل في رأيي لم يسئ إلى مصر وأهلها لا سمح الله فهو الذي حمل كفه على يديه لإنقاذ الوطن والشعب، لكن يصعب عليه رؤية الحال التي نحن عليها والتي هي ميراث العقود الماضية..

والسؤال الذي يلح على ضمائرنا الآن هو: هل نقف خلف الإجراءات الإصلاحية والرغبة الأكيدة لدى الرئيس في تحقيق النهوض الاقتصادي الحقيقي، أم ندفن رؤسنا في الرمال ونفزع من أي إجراء جديد ونوعي له إيجابياته المتعددة على المدى البعيد؟

في رأيي أن المولى سبحانه وتعالى منحنا فرصة ثانية لتعويض ما حدث سنة 1977.. فرصة لتدارك الأخطاء والنظر بعيدا فى سياساتنا الاقتصادية والسياسية واستشراف المستقبل بدلا من طريقة العيش يوم بيوم التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ الثمانينيات..

إذن نحن أمام حالة ليست مستعصية بالمرة ولكنها تحتاج إلى الإرادة والرئيس السيسي يمتلك تلك الإرادة.. الحكومة الحالية مطالبة بتحريك الأسعار والسير في خطة محكمة وواضحة المحاور لإلغاء الدعم وهو الامر الذي لم يحدث كما ذكرت طوال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

لقد كان السادات آخر من سعى لتحريك الأسعار وإلغاء الدعم وكانت له رؤيته ومبرراته، ونحن الآن عندما نطرح هذا الأمر لا نقصد إطلاقا الجور على حقوق الفقراء من المواطنين لكن لكل شئ ضوابط، وأول خطوة في هذا الطريق تكون بترشيد الإنفاق الحكومي والمصروفات الحكومية المبالغ فيها داخل المؤسسات أيضا عبر ضوابط محددة.. إنها دعوة أوجهها من أجل مستقبل هذا البلد ومستقبل الأجيال القادمة وساكون في طليعة المدافعين عن أي تحرك رسمي في هذا النحو ضد أي أصوات لا تريد لمصر الانطلاق والخروج من نطاقها الضيق وميراثها الملعون هذا..