المبادرة الفرنسية

 

من المنتظر أن يجتمع في الثالث من يونيو/ حزيران الجاري، في العاصمة الفرنسية باريس، مندوبون عن الدول المدعوة لحضور «الاجتماع التمهيدي» الذي يبحث في «المبادرة الفرنسية» تمهيداً لعقد «مؤتمر دولي» يبحث في سبل حل الصراع «الفلسطيني- «الإسرائيلي» على أساس «حل الدولتين». آخر المرحبين بهذه «المبادرة» كانت الجامعة العربية، وأولهم السلطة الفلسطينية. وكان الاجتماع مقرراً في الثلاثين من مايو/ أيار الماضي، لكنه تأجل بسبب انشغال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، كما قيل!

منذ قرار التقسيم في نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، وقبل أن تصبح «دولة «إسرائيل» حقيقة واقعة وكياناً سياسياً مادياً على الأرض وحتى هذا اليوم، لم تتوقف «المبادرات» لحل الصراع العربي- الصهيوني. وفي كل هذه السنين وهذه «المبادرات»، تأكدت حقيقتان لم ولن تتغيرا، وتمثلان الهدف الحقيقي الذي أراده ويريده الغرب من مبادراته، وهما: تأييد «المشروع الصهيوني» في فلسطين، وتمكينه من القيام بوظيفته كمنصة غربية لحماية المصالح الاستعمارية الغربية في المنطقة من خلال إبقاء العرب ضعافاً، متخلفين، مشتتين، متقاتلين، تابعين ! آخر هذه «المبادرات» هي «المبادرة الفرنسية» التي تترنح آيلة للسقوط قبل أن تبدأ! والسؤال، بعد أن نضع جانباً الكلام العام المكرر: لماذا هذه «المبادرة» الآن، وماذا تستهدف بالفعل ؟!

 

بداية ليس مغالاة القول إن الفرنسيين مثل الأمريكيين، لا يسعون إلى «حل عادل» للقضية الفلسطينية، لأنهم يعلنون أن «الحل» الذي يسعون إليه، وإن اتخذ عنوان «حل الدولتين»، لن يكون إلا بموافقة الحكومة «الإسرائيلية» عليه. وهم مثل الأمريكيين، مع «ضمان أمن «إسرائيل»، ولذلك لا يصل إلى تفكيرهم «حل» يمكن أن يهدد هذا الأمن كما يعرفه «الإسرائيليون» أنفسهم ! لكن ماذا يريد المؤيدون؟!

بدءاً بفرنسا وهدفها من «المبادرة»، يشعر الرئيس الفرنسي بتراجع شعبيته لدى الناخب في فرنسا، ويرى في هذه الخطوة محاولة قد تحسن من وضعه ووضع حزبه. في الوقت نفسه، طالما طمحت فرنسا لتكون زعيمة لأوروبا في وجه النظرة الأمريكية الدونية لها. وبتأييد من ألمانيا وتشجيعها، تبدو التطلعات الفرنسية وكأنها تلقى أذناً صاغية. لكن ما أثبتته التجارب هو أن فرنسا، ومعها ألمانيا وكل أوروبا، تبقى «قزماً سياسياً» وتبقى تابعة للسياسة الأمريكية خصوصا في منطقة «الشرق الأوسط». وتعرف فرنسا أن من سيسقط مبادرتها في الوقت المناسب، بعد «إسرائيل»، هي الولايات المتحدة، وبالتالي فإن ما تفعله لا يزيد عن شكل من أشكال «المشاغبة» التي يراد منها تذكير واشنطن بأن لباريس (وأوروبا) مصالح ودوراً في كل ما يجري في هذه المنطقة! أما الفلسطينيون أصحاب نظرية «الحياة مفاوضات»، الذين ليس لديهم غيرها بل ويحبطون غيرها، فمثل هذه المبادرات تبقيهم في السلطة وتلهي الشعب المنكوب عنهم، أو هكذا يعتقدون! ولا يكلفهم ذلك غير ترديد ما يعرفون أنه ليس أكثر من حرث في البحر وطحن للماء، وهم على استعداد دائماً لتقديم تنازلات جديدة! وهكذا تكون «المبادرة الفرنسية» نوعاً من ملء الفراغ وتسلية في الوقت الضائع!!

 

ويبقى المستفيد الوحيد من هذه المناورات المكشوفة، ، هو «إسرائيل». فهي بين الرفض والقبول بشروط، تحقق أكثر من هدف. فمن جهة، تكسب مزيداً من الوقت لتنفيذ ما بقي من مخططاتها لابتلاع فلسطين كلها، ومن جهة أخرى تظهر نفسها كمن يسعى إلى حل الصراع وإحلال السلام! وهي من جهة ثالثة، تتقدم على جبهة إقامة العلاقات وتوثيقها مع بعض الدول العربية الراغبة!

 

«المبادرة الفرنسية»، إضافة إلى الأهداف التي يتوخاها كل طرف من الأطراف المؤيدة لها، وبالرغم من رفض رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو لها رسمياً، بحضور رئيس الوزراء الفرنسي فالس، هناك خشية من المحاولات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وإغلاق ملفها المزمن!

 

عوني صادق

awni.sadiq@hotmail.com