احمد سليم: العائدون من الجحور

احمد سليم: العائدون من الجحور

فى الستينيات كانت معركة التحرير والسد العالى وكان لدينا حزب سياسى واحد أو بمعنى أدق وحيد كان أمامه تيار إخوانى يعمل تحت الأرض وتيار يسارى يظهر ويختفى.. وفى السبعينيات كانت لدينا أحزاب بعضها تم صنعه وآخر كان امتدادًا للاتحاد الاشتراكى وظل الإخوان تحت الأرض يمارسون حياتهم السياسية فى الظلام. وجاء مبارك ليفتح الأبواب أمام تشكيل الأحزاب السياسية ليصل عددها إلى 24 حزبًا فى يناير 2011 ورغم هشاشة أغلبها إلا أنها كانت تمثل أحيانًا قوى سياسية وكانت تستطيع استيعاب الشارع المصرى، واستمر الإخوان أيضًا كحزب سياسى يعمل تحت الأرض وإن كانت الظروف قد سمحت لهم بالتواجد تحت قبة البرلمان فى عدة دورات 84 ثم 87 ثم 95 وظهروا بشكل أكبر فى برلمانى 2000 و2005.

 

ورغم كل ما يقال عن فترة ما قبل الربيع العربى إلا أنها كانت حياة سياسية حتى لو امتلأت بالشكوك وانعدام الممارسة السليمة أحيانًا ليأتى لنا الربيع العربى بعد ذلك فيصل عدد الأحزاب فى مصر إلى 100 حزب و4 ويزيد عدد الائتلافات عن ذلك الرقم قليلًا.. ويتوه الشباب ما بين الأحزاب والائتلافات والتحالفات والجماعات السياسية أو الدينية.. ما حدث بعد ذلك وحتى الآن هو فشل للحياة الحزبية وتأكيد لعدم قدرة أى حزب سياسى على احتواء أو توجيه الشارع أو تقديم الدعم للقيادة السياسية أو حتى معارضة الحكومة بشكل قوى.

 

ولعل ما حدث أثناء مناقشة العديد من القضايا تحت قبة البرلمان وأخيرًا مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر.. فبعد يناير 2011 والأحداث التالية لها ما زلنا لا نرى حزبًا سياسيًا قويًا يستطيع جمع الشباب وتوجيهه.. فى الستينيات كانت منظمة الشباب تصنع جيلًا من القيادات وظل خريجو المنظمة حتى قريبًا هم شاغلو أغلب المناصب فى الوزارات والمؤسسات.

 

الواقع السياسى الآن يكشف عن فراغ حزبى امتد إلى الشارع المصرى وسيطر عليه وترك الفرصة لعودة الثعابين مرة أخرى من الجحور.. جاءت اتفاقية ترسيم الحدود وما تلاها من أحداث ليكشف فعلًا عن فراغ حزبى فى الشارع المصرى وليكشف لنا أن المعاصرين من النخبة ما زالوا هم الذين يتحركون سواء كان بدافع من جهات ممولة أو بدافع من داخلهم بإيمانهم بوجهة نظر معينة وتحول الشارع المصرى إلى استقطاب جديدة.. أصبحنا خائنين كل منا فى نظر الآخر ليس صاحب فكرة أو وجهة نظر ولكنه خائن أو ممول أو عميل.. أصبح لدينا المؤمن والكافر.. أصبح لدينا الفقير جدًا أو الغنى جدًا ساهم فى ذلك العديد من الأعمال الدرامية وكأن الواقع لا يكفى فتحولت الدراما أيضًا إلى صانع لحالة الاستقطاب الحادة فى المجتمع المصرى.. لا يوجد مسلسل واحد من 20 مسلسلًا أو يزيد يقدم نموذجًا لشاب مصرى ناجح وإذا قدم هذا النموذج فيأتى فى مشهد جانبى وسط مسلسل يمتلئ بالأشباح والعفاريت.

الة من القصد الأكيد لتغييب العقل المصرى، وعندما تحاول جهة ما الوقوف فى وجه ذلك التيار يكون الاتهام الجاهز “أنتم ضد الإبداع.. أنتم، كما وصفوا، السكين التى كانت ستقتل نجيب محفوظ”.. وإذا حاول البعض التنبيه لخطورة ما يحدث فالرد الجاهز دائما من النخبة التى عادت مرة أخرى من جحورها هو “أنكم فلول” أو “أنكم ضد الديموقراطية”.. كل محاولة تحدث فى مصر الآن لاستكمال بناء الدولة وإعادة الهيبة لها يحاولون وقفها أو هدمها أو التقليل منها.

 

العائدون من جحورهم بعد عامين من الاختفاء وجدوا فى اتفاقية تيران وصنافير الفرصة الأخيرة للعودة إلى الميادين والشارع.. أما الشعب الذى تعلم الدرس رغم اختلاف الكثيرين مع ما حدث فقد قرر أن يترك لهم الشارع ليعرفوا حجمهم الحقيقى وأكمل حليفهم عليهم فقد صدرت التعليمات من تنظيمهم الدولى فى لندن إليهم بالبقاء فى بيوتهم واكتشفت النخبة المزيفة حجمها الطبيعى فى الشارع.

 

مرت الجمعة التى حاولوا استنساخ أحداث سابقة لها.. مرت بهدوء ولم يحدث شىء وانتهى اليوم بالمصريين فى صلاة التراويح أو أمسيات رمضان وإن كانت هذه النتيجة مرضية للبعض إلا أن ما سبقها يستحق الدراسة وبهدوء.. يجب أن نفكر بجدية كيف نستوعب الشارع السياسى خصوصًا الشباب.. مسؤولية مشتركة بين الجميع مؤسسات حكومية أو غير حكومية انتبهوا للخطر الذى يحيط بالوطن وساعدوا فى استكمال البناء.