احمد سليم: التعليم .. ازمة مصر او طريق نجاحها  

احمد سليم: التعليم .. ازمة مصر او طريق نجاحها  

لم يكن الكاتب الراحل على سالم وهو يكتب مشاهد مسرحية مدرسة المشاغبين يعلم أن أحداث المسرحية سوف تتكرر إلى أن تصبح ظاهرة وتتحول اغلب مدارسنا من مدارس للتعليم إلى مدارس للمشاغبين وكعادتنا قمنا بالتطوير فتحولت المدارس إلى مدارس بلا تعليم ولا مشاغبين ..

 

فقد غاب الطلاب والمدرسون ولذا لم يكن من الغريب أن يصل ترتيب مصر فى قائمة الدول التي تم تقييم جودة التعليم بها إلى 135 من 139 دولة ويسعدنا الدكتور طارق شوقي بالإعلان عن إننا لم نصبح حتى 135 بل خرجنا من القائمة نهائيا .. الخبر تصدر نشرات الأخبار وعناوين الصحف ولم يهتز جفن احد ولم تسارع لجنة التعليم فى مجلس النواب بعقد جلسات عاجلة ولم تعقد الحكومة اجتماعا عاجلا فهناك ربما قضايا أهم من وصولنا كدولة إلى ذيل قائمة الجودة ثم الخروج نهائيا منها .. هذا التقييم يعنى إننا نعيش فى دولة بلا تعليم ومن دولة قد تكون بلا مستقبل ..

 

منذ سنوات والتعليم كمدارس ومدرس ومناهج يتعرض لانتكاسات وتغييرات وعشنا عشرين عاما نبحث عن الصف السادس فى المرحلة الابتدائية أو تنتهي عند الصف الخامس وهل تكون الثانوية العامة أقساما ثلاثة أو اثنين أو قسم واحد وهل سنة واحدة أو سنتين أو ثلاث وهل هى شهادة نهائية أو مرحلية .. عشرات الأسئلة وعشرات التغييرات ومئات الآراء أدت بنا فى النهاية الى ما حدث ..

 

ولأننا شعب حبانا الله بنعمة النسيان فقد نسينا كل شئ .. نسينا ان مدارس الستينات الملعونة فى كفر الشيخ والبحيرة والغربية والصعيد هى التى خرجت عبد الناصر والسادات وزويل والباز وطابور طويل تزدان به جامعات امريكا وكنــــــــــــدا والمانيا وبريطانيا .. نسينا ان شهادة الطب المصرية كانت الوحيدة المعتمدة عالميا ونسينا ان طلبة كثيرين من بريطانيا وفرنسا وايطاليا كانوا يأتون فى بعثات تعليمية الى مصر ..

 

زمان فى الايام الخوالي كان لدينا تعليم .. كان لدينا معلم نخشى ان يرانا ونحن نلعب فى الشارع او نرتكب خطأ .. كانت لدينا مدارس بها ملاعب وفصول نظيفة ومكتبات ومسارح وغرف موسيقى وفنون وانشطة .. زاد عدد المدارس وتحولت فصولها الى اقفاص صغيرة يجلس فيها عشرات الطلاب فلا يتعلمون شيئا ويتحول الحضور الى المدرسة الى جزء من عقاب يومى يتعرض له الطالب فكانت النتيجة هروب جماعى من المدارس ..

 

وعلى مداره سنوات مضت جاء الهلالى بسيفه مؤكدا ان الطلبة سيعودون الى المدارس وان التعليم سيتطور فتحولت المدارس الى مبانى فارغة وانتقل الطلاب الى مراكز الدروس الخصوصية والمقاهات – نعم – المقاهى فقد رأيت فى مناطق بالجيزة مجموعات دراسية فى مقاهى المريوطية المدرس ومجموعته على احد طاولات المقهى والكتب مفتوحة وهو يشرح الدرس .. مشهد لم يحلم به على سالم فى مسرحيته ..

 

اصبح لدينا نظم تعليم متعددة المدارس الدولية يدفع فيها ولى الامر المصروفات بالدولار والاسترلينى ويحجز لاطفال فى المدارس من مرحلة جديدة .. قبل الحضانة .. حتى يضمن لابنه تعليما محترما .. وتعليم اخر يدفع فيه ولى الامر المصروفات بالجنيه المصرى ..

 

فيدفع الاف الجنيهات سنويا للمدرسة ومثلها للمدرسين .. اما التعليم الثالث .. تعليم الدولة .. فيدفع فيها ولى الامر مصروفات كثمن للكتب وليست مقابل تعليم ثم يدفع الاف الجنيهات سنويا ثمنا لدروس خصوصية وتحولت المنازل الى فصول صغيرة تقدم خدمة خمسة نجوم للمدرس اثناء اعطائه حصته ولزملاء الابن وتحولت الاسرة فى حالة وجود طالب بالثانوية العامة الى اسرة متدينة تدعو الله ليل نهار والى اسرة عاملة فى عدة مجالات حتى تجمع ثمن الدروس والى اسرة زاهدة فى كل شئ فلا مجال لصرف جنيه واحد بعيدا عن مصروف الدروس الخصوصية

 

هذا حال الاسر .. اما حال الدولة فهو المشهد المرعب بعد سنوات لن يكون لدينا خريج قد تلقى تعليما جيدا .. فالمدارس خرجت من التصنيف والجامعات سبقتها او لحقت بها اذن نحن امام نظام تعليمى انهار وجاء الدكتور طارق شوقى بخلفية من اليونسكو ورئاسة للمجالس المتخصصة وامال واحلام وبدأ بالاعلان عن نظام جديد للثانوية العامة ولم يحدثنا عن ما تم اعداده لعام جديد سيبدأ بعد شهور وستتكرر نفس المشاهد ولم يحدثنا عن كيفية اعادة هيبة المعلم واعادة المعلم نفسه الى مهنته .. المطلوب اليوم هو مشروع قومى تتكاتف فيه كل اجهزة الدولة ..

 

مجلس النواب يحدد راتبا مجزيا للمدرس وتشريعا يعاقب من يعمل خارج المدرسة .. اعطوه امتيازات افضل من كل الفئات .. فهو الذى يعلم كل هذه الفئات .. اعطوه علاجا مجانيا وحتى وسائل المواصلات مجانية .. المدرس هو البداية ..

 

ولدينا فرصة لكى يعود التعليم لدينا الى مستواه لنبدأ مشروعا فى مناطق مختلفة .. نبدأ باعداد طلاب كلية التربية والاداب من العام القادم فيكون لدينا مدرس مهنى بعد اربع سنوات .. وفى نفس الوقت نعود الى مرحلة التعليم الابتدائى والاعدادى لتطوير المدارس والمناهج فنحلم بخريج بعد عشر سنوات يكون قد تلقى تعليما جيدا .. منح قطع اراضى مجانية من ارض الدولة لمؤسسات المجتمع المدنى لبناء مدارس بمواصفات خاصة .. منح التيسيرات لرجال الاعمال لدخول مجال الاستثمار فى التعليم مع وضع ضوابط لارتفاع المصروفات بها ..

 

الحسم فى مواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية والزام الطلاب بالحضور الفعلى .. ولان هذا قد لايتم فان الافضل تسليم ملف التعليم الى القوات المسلحة تبنى وتجهز المدارس والى هيئة الرقابة الادارية تراقب وتحاسب وتحسم .. لامجال لنا اذا اردنا التقدم الا بالتعليم ولنوقف نغمة ان السنين الاربعين او الخمسين الماضية هى السبب فالحقيقة انها هى التى علمتنا وهى التى تعلم فيها هؤلاء المسئولين .. اغلقوا ملف الماضى وافتحوا ملف المستقبل .. لاوقت فكفى ما ضاع ..