عماد الدين حسين : “التذاكى اللغوى” لا يستر حماس

فى البند 20 من وثيقة حركة حماس الجديدة التى تم الإعلان عنها مساء يوم الاثنين الماضى جاء ما يلى:

«لا تنازل عن أى جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، وترفض حماس أى بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا من نهرها إلى بحرها. ومع ذلك وبما لا يعنى اطلاقا الاعتراف بالكيان الصهيونى، فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطين مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم هى صيغة توافقية وطنية مشتركة.

 

الكثير من الخبراء والمعلقين احتاروا فى فهم هذه المتناقضات فى بند واحد. كيف يمكن التوفيق بين القبول بدولة فلسطينية على حدود 67 والقول إن التفاوض مع الاحتلال ليس من الثوابت، وبين عدم الاعتراف بإسرائيل.. السؤال الذى يسأله كثيرون هو: مع من سوف تتفاوض حماس لإقامة دولة على أرض 67؟ هل تريد حماس من «السلطة الخائنة» فى رام الله كما تسميها أن تواصل خياناتها وتتفاوض مع إسرائيل لإقامة الدولة ثم تقدمها هدية لحماس؟!

 

وهل يقبل أى طرف دولى أن يرعى مفاوضات مع طرف يتحدث فى فقرة عن «رفض الكيان الصهيونى الغاصب» وفى فقرة أخرى عن إقامته دولة على جزء من فلسطين، بجوار هذا الكيان، وإذا كانت وثيقة حماس ترفض الاعتراف بإسرائيل فما معنى قبولها بدولة فى الضفة وغزة فقط؟!!.

أؤيد ومعى غالبية المواطنين العرب كل ما جاء فى وثيقة حماس الجديدة والقديمة، متعلقا بتوصيف الكيان الصهيونى وعنصريته وفاشيته، الذى ينبغى مقاومته بكل الطرق، حتى يتم تحرير فلسطين التاريخية. كمواطن قومى عربى تطربنى مثل هذه الكلمات، وأتفهم الإصرار على تضمين المبادئ العليا فى أى وثيقة، لكن عندما تكون هناك حركة تصف نفسها بأنها سياسية، وتحكم مجموعة من المواطنين على الارض فالطبيعى أن يكون لديها برنامج سياسى واضح وقابل للتطبيق.

 

مرة أخرى أتمنى أن تكون حماس أو أى تنظيم فلسطينى أو عربى قادرا على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر بالقوة المسلحة، واليوم قبل الغد، فالعدو الصهيونى لا يفهم غير منطق القوة. لكن أن ترفع شعارات فضفاضة وتختفى خلفها، ثم تلوم غيرك بأنه لم يساعدك، فتلك سفسطة فارغة.

 

الذين علقوا على وثيقة حماس الجديدة كثيرون، لكن لفت نظرى بصفة خاصة، ما كتبه حسان حيدر فى عدد «الحياة اللندنية» يوم الخميس الماضى، تحت عنوان «حماس بين الاضطرار والتذاكى». جاء فيه أن الوثيقة الجديدة حفلت بالعديد من المتناقضات، فهى لم تحد عن هدفها الأساسى، اى ان تحل حماس محل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية المنبثقة منها، ثم تقول انها جزء من المنظمة. تتنصل الحركة جزئيا من جماعة الإخوان الأم، وتعلن القبول الملتبس بدولة على حدود 67، وذلك راجع للضرورات التى تفرضها محاولة فك العزلة المتنامية عنها، ومن دون أن يمنعها ذلك من «التذاكى اللغوى» الذى يبقى الباب مفتوحا أمام التهرب مستقبلا من أى التزام!.

 

فى تقدير حيدر أن إسرائيل سمحت بقيام حماس كبديل إسلامى لمنظمة التحرير، لأن هذا التنافس يصب فى مصلحتها ويكرس الانقسام سواء

 

كانت تدركه حماس أم لا، باعتبار أن إسرائيل تتذرع بوجود طرف يريد تدميرها على أساس دينى.

الوثيقة تأتى بعد ثلاثة حروب مدمرة مع إسرائيل دفع القطاع ثمنها الفادح، وتأتى بعد اتهامات من الحكومة المصرية للحركة بالتورط فى دعم جماعة الإخوان، وأحيانا الإرهابيين فى سيناء، وبعد توقف معظم الدعم المالى الخليجى والعربى عنها.

 

الغموض هو بطل الوثيقة الجديدة و«الحركة صارت تقف فى منتصف الطريق بين «الفكر الإخوانى» و«التنظيم الإخوانى»، علما بأن الحركة الأم لا تعرف تفريقا بينهما، لان الأول يقود حتما إلى الثانى». والقول بأن التمسك بتحرير فلسطين كاملة عبر الكفاح المسلح سيقطع الطريق على داعش ويمنع انتشاره، حجة غير صحيحة، لان حماس كانت احد الذين مهدوا الطريق أمام تفريخ داعش وأمثالها ..نقلا عن الشروق