فاروق جويدة: إنه فقط مصرى

حين كنا تلاميذ فى المدرسة لم تكن الأسماء تفرق بيننا ولم نكن نعلم أن بطرس مسيحى وان محمد مسلم..ولم تكن هناك شارات على الصدور،هذا هلال وهذا صليب، وكنا ندرس مادة الدين معا..

ونحفظ آيات القرآن معا..ونقرأ الأحاديث قراءة صحيحة..وكنا لا نفرق بين الصلاة فى المسجد والصلاة فى الكنيسة لأنها فى النهاية بيوت الله، وكل يصلى على طريقته وكنا نقوم احتراما للشيخ المعمم ونقف تقديرا للقسيس لا فرق بينهما..

وكانت أم بطرس تدعو أم محمد لتصنع معها كعك الأعياد المسيحية، وكانت أم محمد ترسل كعك عيد الفطر الى أم بطرس..وكانت المعاملات المالية بلا شيكات او وثائق لأنها مجرد كلمة..وحين يمرض رب الأسرة هنا او هناك تتجمع حوله دعوات الشيخ وصلوات القسيس وكلها تتجه إلى الله وتطلب العفو والصفح والمغفرة..

وكانت الجدة الكبيرة تحكى للأطفال قصصا عن السماحة فى الدين والحب فى الكتب السماوية وكيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الحب قبل أن يخلق الحياة، وقال للبشر أحبوا بعضكم فلا مكان فى ملكى للكارهين وحين كانت تثمر شجرة التوت أمام البيت يتجمع الأطفال حولها مسلمين ومسيحيين وهى لا تفرق بينهم وهم يجمعون ثمارها كل صباح..وفى الأعياد كان والد بطرس يقدم العيدية لأبناء محمد ثم يأتى العيد الكبير وتطوف اللحوم على البيتين دون تمييز..وكان المدرس لا يعرف دين تلاميذه لأنه يحبهم جميعا ولا فرق عنده بين بطرس ومحمد أو عيسى وعمر، إنهم جميعا أبناؤه..وحين كبر الأبناء وصاروا شبابا جمعتهم أحلام الوطن وأحزانه وهمومه وكان آخر لقاء بين بطرس ومحمد وهما يتخرجان فى الجامعة ويصافح كل منهما الآخر فقد ذهب محمد ليبدأ حياته فى الصعيد بينما اتجه بطرس للعمل فى الإسكندرية..

وحين عبرت قوات الجيش المصرى العظيم الى سيناء كانت سنوات العمر قد تسربت وكبر محمد وكبر بطرس ولم ينس احدهما ملامح الآخر..وعلى شط القناة وفى أحد اللنشات التى اندفعت على مياه القناة نحو سيناء نظر محمد ليجد بطرس بجواره، وكلاهما يردد الله اكبر..الله اكبر الله اكبر..وساعتها لم يعرف احدهما دين الآخر..إنه فقط مصرى وهذه أرضه.. نقلا عن الاهرام